دخلت السياسة الأميركية تجاه إيران مرحلة جديدة منذ أسابيع، بتحوّل واضح في موقف الرئيس الأميركي جو بايدن وأعضاء إدارته باتجاه تبنّي ما وصفته مصادر مطلعة، أمس، بأنه «خطة شاملة تتم بالتنسيق مع الحلفاء» لمواجهة النشاطات الإيرانية في الشرق الأوسط والعالم.

وكشفت مصادر خاصة بـ «العربية» و«الحدث» تفاصيل أكثر دقة عما حصل من تحوّل بمسار إدارة بايدن الذي بدأ ولايته بالكثير من «حُسن النوايا» تجاه طهران وإمكانية إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه دونالد ترامب عام 2018.

Ad

وقالت إن أعضاء إدارة بايدن كانوا منقسمين في معالجتهم للمطالب الإيرانية. إذ كان هناك معسكر من المتشددين، وفي مقدمتهم مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، وآخر أقلّ تشدداً، يتألف أغلبه من موظفي وزارة الخارجية، وفي مقدمتهم الوزير أنتوني بلينكن والمندوب الخاص روبرت مالي.

فيما سمعت الإدارة الأميركية، وخصوصاً وزير الخارجية، كلاماً قاسياً ومتشدداً من الحلفاء والشركاء في المنطقة على مرّ أشهر من المفاوضات غير المباشرة الرامية لإعادة القيود على برنامج طهران الذري مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

وذكر مطّلعون على قمة النقب التي شارك فيها وزير الخارجية الأميركي ووزراء خارجية البحرين والإمارات ومصر والمغرب وإسرائيل، أن وزراء خارجية دول المنطقة عبّروا بوضوح لبلينكن داخل القاعة معارضتهم للموقف الأميركي، وإصرارهم على أن تأخذ إدارة بايدن «المشكلة الإيرانية» بعين الاعتبار وليس فقط معالجة الملف النووي، إلا أن الإدارة الأميركية لم تغيّر موقفها، رغم أن بلينكن أخذ هذا الموقف بعين الاعتبار.

وحاول الأميركيون التوصل إلى صيغة تلبّي مطالب دول المنطقة، فطرحت إدارة بايدن على طهران صيغة تقوم على «تلبية الشروط الإيرانية بما فيها رفع الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب، مقابل أن تأمر الجمهورية الإسلامية قادة الحرس والميليشيات التابعة له في العراق وسورية ولبنان واليمن بوقف كل الأعمال العدائية». واعتبرت الإدارة الأميركية خلال مرحلة العودة إلى الجولة الثامنة في فيينا، التي توقفت في مارس الماضي، أن القضية الوحيدة العالقة في المفاوضات هي قضية «تصنيف الحرس الثوري»، وشنّت حملة سياسية ودعائية واسعة تركّز على لوم إدارة ترامب لما وصلت إليه الأمور، وروّجت لمبدأ أن تخلّي طهران عن اليورانيوم المخصّب سيكون انتصاراً للدبلوماسية الأميركية، وأن العقوبات ستعطي النتائج المرجوة لو تمّ رفع «الحرس» عن لائحة الإرهاب.

لكن المصادر كشفت أن طهران رفضت الطلب الأميركي، وأبلغت واشنطن من خلال مفاوضات فيينا وعبّر أطراف دوليون، أنها لن تطلب من الميليشيات التابعة لها وقف عملياتهم ضد دول المنطقة.

وأصيبت إدارة بايدن بصدمة شديدة، لأن إيران أبلغتها أيضاً أنها لن تقبل حتى بوقف العمليات ضد الجنود الأميركيين المنتشرين في المنطقة.

بعد هذا الجواب، شعر الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته أن أبواب التفاهم مع إيران بصيغتها المطروحة لم تعد ممكنة، وباتوا يتفهّمون أكثر موقف الدول العربية وإسرائيل من النشاطات الإيرانية والميليشيات التي تدور في فلك طهران.

كما راحت بيانات الحكومة الأميركية تتحدّث ثانياً عن «تنسيق العمل لردع النشاطات العدوانية الإيرانية في المنطقة».

وأكدت المصادر الخاصة أن الموقف الأميركي الجديد «يوزّع العمل» بين واشنطن وحلفائها، فالولايات المتحدة تلتزم بممارسة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية على إيران، كما تشارك الأطراف الإقليمية المعلومات المتوافرة لديها عن التحركات الإيرانية، وتحركات الميليشيات، بما فيها عمليات تهريب ونقل الأسلحة، فيما تقوم الأطراف الإقليمية، خصوصاً إسرائيل، بعمل ميداني لضرب خطوط الإمداد وتعطيل البرنامج النووي.

يشار إلى أن هذا لا يعني على الإطلاق أن إدارة بايدن مستعدة لتصعيد مباشر في الشرق الأوسط، بل تسعى بحسب مصادر العاصمة الأميركية إلى الحفاظ على الاستقرار بقدر الإمكان، وضبط أي تصعيد ممكن لكي لا يتحوّل إلى أزمة واسعة في حين تستعر أزمة أوكرانيا.

مخطط وزيارة

وفي وقت وصلت فيه التوترات بين إسرائيل وإيران إلى ذروتها، حذّر وزير الأمن الإيراني إسماعيل خطيب، خلال لقائه عدداً من المسؤولين العسكريين والأمنيين، أمس، من أن «العدو يركّز حالياً على ثلاثة محاور أسياسية للإضرار بإيران، وهي الاحتجاجات الشعبية وتوسيعها والأعمال الإرهابية التي تقودها إسرائيل وتشويش العقول بالداخل عبر الفضاء الإلكتروني».

إلى ذلك، يتوجه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، اليوم إلى أنقرة، لبحث العديد من الملفات، وعلى رأسها العملية العسكرية التركية المحتملة ضد «منظمات كردية مسلحة تنشط في سورية والعراق».

في غضون ذلك، ذكرت تقارير عبرية، أمس، أن الاستخبارات التركية، بالتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي، يباشران حالياً تنفيذ عملية مشتركة تستهدف ضبط خلية اغتيالات تابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني، تسعى لتصفية رجال أعمال وسيّاح إسرائيليين كردّ انتقامي على اغتيال القيادي بـ «فيلق القدس» صياد خدائي أخيراً.