مع تأسيس أي منظومة عمل، يتم تحديد «الرؤية» المستقبلية لتحدد بوصلة الطريق لتحقيق الأهداف، وتحديد الرؤية لا يأتي من فراغ، بل هو تتويج جهود جادة ذكية وشاقة لدراسة الواقع والمستقبل والفرص والتحديات، وبقدر حجم المنظومة؛ بدءاً من الأعمال التجارية البسيطة، وصولاً إلى إدارة الدول يكون مدى تعقيد وذكاء تلك الرؤية لتكون واقعاً ملموساً بخطوات واضحة في فترة زمنية محددة لتحقق نجاحها المرجوّ.

وفي سياق سباق دول المنطقة نحو المستقبل، أطلقت المملكة العربية السعودية في أبريل 2016 رؤيتها المستقبلية الطموحة لعام 2030، ولم تمضِ سنة حتى قامت الكويت في يناير 2017 بإعلان رؤيتها لعام 2035، ومن غير الخوض في طبيعة الرؤيتين وخصائصهما ومدى قدرتهما على الإقناع، كان تساؤلنا عن حاجتنا إلى خمس سنوات إضافية، مقارنة بالأشقاء، علماً بأن حجم المملكة (البالغ عدد مواطنيها 23 مليوناً) وتحدياتها أكبر بكثير من الكويت ذات المليون ونصف المليون مواطن (بأكثر من 16 ضعفاً).

Ad

وبزيارة سريعة للموقع الرسمي المتضمن الرؤية السعودية يتّضح لنا الكثير من الأمور الإيجابية؛ أهمها الوضوح وملامسة التحديات الحقيقية، وتحديد الجهات المسؤولة عنها وأسماء القيادات القائمين عليها، لتكون المحاسبة بمستوياتها السياسية والإدارية للنتائج بشفافية، مع الاستمرار في تغذية الموقع الإلكتروني بتطورات تلك البرامج يوماً بعد يوم.

أما بالاطلاع على الموقع الإلكتروني الرسمي لرؤية الكويت المستقبلية، والتي يتم تسميتها تارة بخطة التنمية، وأخرى بـ «رؤية 2035»، والتي تضع لنفسها هدفاً بأن تكون مركزاً إقليمياً رائداً مالياً وتجارياً وثقافياً ومؤسسياً، مع متابعة هذه الخطة المتضمنة 7 ركائز (مكانة دولية متميزة، وبنية تحتية متطورة، ورأسمال بشري إبداعي، وإدارة حكومية فاعلة، ورعاية صحية عالية الجودة، واقتصاد متنوع مستدام، وبيئة معيشية مستدامة) والاطلاع على مكوناتها وتطوراتها بعد انقضاء 5 سنوات على إطلاقها، يتّضح مدى الاستهانة والاستهتار بمستقبل الدولة برمّتها، ومدى انشغالنا بقشور القشور، ولو قدّر لإحدى كبريات جامعات العالم تناول هذه الرؤية لكان مصيرها المحتوم دراسة حالة Case Study نموذجية لفشل يتوارى خلف عبارات إنشائية برّاقة.

لكنني أغفلت عنصراً مهماً في المعادلة الكويتية، فالكويت «غير»، وفق تصريح أحد مسؤولي التخطيط، وعوضاً عن بذل العمل الشاق والمضني لرسم مستقبل أفضل، ارتأينا تغيير حرف واحد لتصبح الرؤية «رؤيا»، وهي لا تتطلب سوى النوم بسُبات عميق، لتأخذنا إلى عالَم الأحلام السعيدة!

فيصل خاجة