عبر التاريخ، لم يكن العفو عن الآخرين أمراً سهلاً، خصوصاً في حالات الاستقطاب الداخلي، وانتشار خطاب الكراهية كالنار في الهشيم، فمع أن قيمة العفو قد تبدو مؤشراً على الضعف، إلا أن العكس هو الصحيح، فهي دلالة على القوة التي لا يدركها الضعفاء، فتظهر على سلوكهم قسوة وشدة.

منذ تأسيسها قبل 61 عاماً، كرست منظمة العفو الدولية جهدها للمطالبة بالعفو عن سجناء الضمير في العالم، الذين عبروا عن رأيهم دون استخدام العنف أو التحريض عليه، ويشمل ذلك المحكومين بالكويت.

Ad

توسعت اهتمامات المنظمة عبر السنين لتتضمن الإعدام، والتعذيب، والمحاكمة العادلة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولم تعد فقط معنية بالسجناء كما بدأت.

لا تتبنى المنظمة موقفاً سياسياً ضد الحكومات، إلا بقدر انتهاكها لحقوق البشر، كما أنها لا تتبنى آراء المساجين وأفكارهم، بل تدافع عن حقهم في محاكمة عادلة، وعدم تعرضهم للتعذيب، وهو ما تعجز الحكومات عن فهمه.

تستخدم المنظمة أدوات متعددة لإيقاف الانتهاكات، كالإعلام، وإصدار التقارير، ولجان التحقيق، ومراقبة المحاكمات، ومساعدة الحكومات، وترفض بشكل قاطع تلقي أي دعم مالي من أي حكومة.

وقد شاركتُ متطوعاً في رئاسة وعضوية العديد من تلك الفعاليات في بلاد مختلفة، منها باكستان، وأفغانستان، والولايات المتحدة، وأيرلندا الشمالية، والبرازيل، والعراق، والصومال، والبحرين، ومصر، وغيرها. كانت تلك الزيارات مفيدة جداً على الرغم من خطورة بعضها، لنخلص إلى أنه لا إصلاح حقيقياً وراسخاً، لا يكون منطلقه ومنتهاه كرامة الإنسان.

وللمنظمة نمط فريد من نوعه، فهي دولية، غير حكومية، ديموقراطية، جماهيرية، حقوقية. وقد تعلمت ذلك عن كثب عند انتخابي للجنة مراجعة النظام الأساسي قبل 30 سنة، فقمنا خلال 4 سنوات بتغييرات كبيرة في النظام الأساسي، كان من ضمنها تقديمي ورقة قانونية حقوقية، حول تكييف هدم المنازل كأحد أشكال «القيد على الحركة»، والذي تم اعتماده بالمنظمة.

يقيناً، إن عمل «العفو الدولية»، لن يتوقف إلا بانتهاء الانتهاكات، وإغلاق مراكز التعذيب، وإطلاق سراح سجناء الضمير، وترسيخ مبدأ المحاكمة العادلة، وهو طريق شائك لا تبدو نهاية منظورة له.

إلا أنه في خضم انكسار كرامات الناس بفعل فاعل، فإن «العفو الدولية» تبقى، على محدوديتها، شمعة مضيئة، محفزة للآخرين، عساها أن تخفف من غلواء وقسوة الأنظمة المتحجرة، لتطلق قدرات الإنسان إلى آفاق أبعد بكثير من قيود السجن، والتعذيب، والخوف، والفقر. وربما أكثر من يدرك ذلك، سجناء الضمير، عندما ينساهم الناس.

أ.د. غانم النجار