عندما دخلت العمل النيابي لأول مرة عام 1985 لم يكن في الحكومة نائب رئيس وزراء شعبي، وكان يتم الجمع بين منصبي ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء رغم أن كثيراً من الأساتذة الدستوريين يرى منع هذا الجمع على اعتبار أن منصب رئيس الوزراء معرض للاستجواب وعدم التعاون، فكيف يصح إعلان عدم التعاون مع الأمير المستقبلي للبلاد؟ وهولا شك رأي وجيه جدا، وشاء الله أن تتغير الظروف وتم الأخذ بقرار الفصل بين المنصبين، كما تم تعيين نائب شعبي لرئيس مجلس الوزراء.

وهكذا يخلق الله الظرف الذي يمهد لإجراء تغييرات مستحقة لتحصيل مكاسب وطنية، ولدرء مفاسد أو أخطار أو مشكلات ضارة للبلاد.

Ad

وقد نص الدستور كما بينت في المقالة السابقة على عدم ترشيح أبناء أسرة الحكم في الانتخابات العامة لسببين نصت عليهما المذكرة التفسيرية للدستور، وهما الحرص على حرية الانتخابات من جهة، والنأي بالأسرة الحاكمة عن التجريح السياسي الذي قلما تتجرد منه المعارك الانتخابية من جهة ثانية، ولكنه لم يمنع أبناء الأسرة من تولي الحقائب الوزارية، بل نص على أنه الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم.

ولكن حتى هذا الطريق الوحيد للأسف بات موضعاً للهجوم وللتجريح الكبير والاستجوابات العبثية وغير الدستورية أحياناً في خضم أتون بعض المطالبات النيابية أو التنافس بين بعض أبناء الأسرة، وكذلك في صراع الموالاة والخصومة بين بعض النواب، مما دفع بعض أبناء الأسرة إلى توخي السلامة بالإعراض عن القبول بهذا المنصب أو الاستقالة منه، ولعل استقالة الشيخين العلي والأحمد وما جاء فيهما وفي كلام الشيخ العلي للصحافة بعد الاستقالة أبرز مثالين على ذلك، وكذلك ما أشيع عن اعتذارات تقدم الآن لشغل منصب رئيس الوزراء.

وكذلك قد يؤدي هذا التجريح والهجوم إذا كان غير مبرر بالطبع إلى حرص وزراء آخرين من الأسرة ومن خارجها على تلبية رغبات النواب وتوسطهم وتدخلاتهم في عمل السلطة التنفيذية، وهو كما ذكر الأخ أحمد السعدون مؤخراً من أخطر المخالفات للدستور حسب المادة 115.

وكذلك قد يؤدي ببعض الوزراء الشيوخ وغيرهم إلى عدم التصدي للاقتراحات الشعبوية المضرة بالمال العام والاقتصاد حرصاً منهم على الشعبية ودرءاً للتجريح أيضاً.

هذه المشاهدات أدت إلى انحدار العمل الحكومي في السنوات الأخيرة وتعطل الخطط الخمسية، خصوصا مع ما ينشر عن الخلافات والتنافس بين أبناء الأسرة على المناصب الكبيرة المؤدية إلى الحكم واستخدام الآخرين للاستجوابات والقضايا الشعبوية وقوداً لهذا التنافس.

والسؤال المطروح: هل تحقق الآن الظرف المناسب للعمل بمبدأ موجود في الدستور بخصوص منصب رئيس الوزراء؟ فمن المعروف أن الدستور لم ينص على حصر تعيين رئيس الوزراء في أبناء الأسرة، وإنما ترك أمر التعيين خاصاً بالأمير ليعين من الأسرة ومن خارجها، وبالتالي يمكن العمل الآن بهذا المبدأ الدستوري بتعيين رئيس وزراء شعبي في هذه الظروف، ولا يمنع ذلك بالطبع تعيين أبناء أسرة الحكم في هذا المنصب بعد ذلك.

ولابد طبعاً لهذا التعيين من شروط أخرى مثل الأمانة والعدالة والكفاءة والقبول، وكذلك يجب أن ينجح هذا المنصب في تحقيق الاستقرار الحكومي وإيقاف التنافس بين أبناء الأسرة على المناصب العليا في الحكم، ويحد من التجريح الحالي لأبناء الأسرة، وأيضاً يجب أن يريح هذا التعيين وزراء الأسرة من قرارات الواسطة والمحسوبية، خصوصاً أن جميع قرارات الحكومة ستؤخذ بالتضامن، وكذلك ستكون قرارات الوزراء الشيوخ وغيرهم خاضعة إما لموافقة رئيس الوزراء أو لرقابته.

كما يجب أن يتصدى رئيس الوزراء للاقتراحات والقوانين الشعبوية التي يثبت ضررها على المال والاقتصاد لأنه ليس من أبناء الأسرة، وبالتالي يكون متحررا من الضغوط الشعبوية غير المفيدة التي تستخدم على أبناء الأسرة لإثبات شعبيتهم.

الخلاصة أن البلاد عانت الكثير وفي حاجة ملحة الآن للإصلاح والاستقرار ووقف الصراعات واستنزاف المالية العامة بالفساد والهدر والشعبوية والمخالفات الدستورية.

هذه مجرد رؤية اجتهادية لتحقيق جملة من الإصلاحات ودرء جملة من الإخفاقات المشاهدة، ولابد لأي حل ينبري لتحقيق هذه الأهداف أن ينطلق من الدستور الذي توافقت عليه الأمة، والله أعلم .

أحمد يعقوب باقر