في مثل هذه الأيام من سنة 1961، نشر الكاتب البريطاني بيتر بيننسون مقالاً في صحيفة أوبزيرفر، بعنوان "السجناء المنسيون"، في إطار حملة دعا فيها إلى الإفراج عن السجناء في أنحاء العالم، بسبب تعبيرهم السلمي عن قناعاتهم.

بدأت الحملة عندما قرأ عن اعتقال طالبين في البرتغال، إبان حكم الديكتاتور سالازار، بسبب تعبيرهما السلمي عن رأيهما، ودعا بيننسون القراء إلى التضامن معهما وتوجيه رسائل احتجاج.

Ad

وتضمنت المقالة الدعوة إلى الإفراج عن كل سجناء الضمير في العالم، وإغلاق مراكز التعذيب، وتطبيق بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فعلاً لا قولاً. وقد ظهر حينها مصطلح جديد وهو "سجناء الضمير"، لوصف أي إنسان يتم تقييد حركته (بالسجن أو غير ذلك)، لتعبيره عن رأي أو معتقد، شريطة ألا يستخدم أو يشجع على العنف.

تم نشر مقالة "السجناء المنسيون" في أنحاء العالم، وتلقت دعوة بيننسون إلى العفو مساندة من أفراد كثيرين، وخلال شهرين عقدت اجتماعات، نتج عنها ظهور المنظمة الأم للدفاع عن حقوق الإنسان، لتغير وجه العمل الحقوقي نحو الفعل والمراقبة وكشف الانتهاكات والتدخل السريع. وخلال 10 سنوات توسعت حملة العفو لكي تضم أكثر من 1000 مجموعة تطوعية في أكثر من 28 دولة، وفي 1977 حصلت "العفو الدولية" على جائزة نوبل للسلام. أما اليوم فنحن نتحدث عن أعداد تفوق الملايين.

وقد استجابت المنظمة للمتغيرات الدولية، فانتقلت من الإدارة المركزية بلندن إلى إنشاء مراكز إقليمية في إفريقيا، وآسيا، وأوروبا الوسطى والشرقية وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، لتصبح أقرب للحدث، وأكثر فاعلية، وصارت موجودة في أكثر من 70 دولة.

وتتميز "العفو الدولية" باستمرار مراجعتها وتطويرها، حيث غيرت من منهجيتها وأدوات عملها، خاصة أن من يحدد مساراتها هو ديموقراطيتها، عبر الانتخاب، إلا أنها مازالت تركز على المطالبة بمحاكمات عادلة لكل المساجين، وإنهاء التعذيب، والإفراج غير المشروط عن سجناء الضمير أينما كانوا. وتنوعت حملاتها المتخصصة، وموضوعاتها المختلفة، وكانت إحداها الدعوة إلى إغلاق معتقل غوانتنامو وغيرها.

هكذا كانت البداية، مقالة في صحيفة، تحولت إلى حركة دولية غير حكومية رائدة، وأصبحت نموذجاً يحتذى، في بساطة المنشأ، وفعالية التأثير، للحد من تغول الحكومات في انتهاكات حقوق الإنسان.

أ.د. غانم النجار