يبدو أن استعداد روسيا لاستعمال القوة في أوروبا يُشجّع المعسكر الغربي على تقسيم المهام بين أوروبا والولايات المتحدة، مما يسمح لأوروبا بالتركيز على كبح التحديات الناشئة على الجناحَين الشرقي والشمالي من حلف الناتو، أما الولايات المتحدة فتستطيع التركيز على منع بكين من تحويل منطقة المحيطَين الهندي والهادئ إلى نطاق نفوذ للصين.

تعترف الاستراتيجية الأميركية الجديدة في هذه المنطقة بأهمية توسيع دور الاتحاد الأوروبي هناك لأسباب استراتيجية، وتهتم أبرز القوى في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، بالدور الأوروبي الدفاعي بالقدر نفسه، لكنها تتردد مثل أوروبا في الاختيار بين واشنطن وبكين، لكن هل ستتمكن أوروبا من تنفيذ رغبتها في زيادة التزاماتها في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ؟

Ad

بعد اجتماعات وزراء خارجية الناتو، أعلن أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ أن المفهوم الاستراتيجي المقبل داخل الناتو سيراعي طريقة تأثير نفوذ الصين المتزايد وسياساتها القسرية على أمن الدول الأعضاء، لكن لم يتعهد ستولتنبرغ باعتبار الصين تهديداً تنطبق عليه الضمانات الأمنية الجماعية الواردة في المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي، مع أن هذه المادة استُعمِلت ضد روسيا. لكنّ رفض أعضاء أساسيين مثل فرنسا وألمانيا اعتبار الصين مصدر تهديد بمستوى روسيا يثبت أن تعامل الناتو مع الصين سيُركّز على التحديات القائمة في المجال السيبراني والفضاء الخارجي، إذ يملك الحلف أصلاً مجموعة كبيرة من الأدوات لمعالجة التحديات السيبرانية والفضائية التي يطرحها خصوم مثل الروس والإيرانيين، ويمكن توسيع نطاق مقاربتهم كي تشمل الصين أيضاً، لكنّ احتمال أن يبقى دور الصين في الناتو محدوداً يعني انشغال الجميع بتقييم قدرة الاتحاد الأوروبي على التعامل مع الصين كشريكة ومنافِسة في آن.

يتمتع الاتحاد الأوروبي أصلاً بوجود مدني شامل وطويل الأمد في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، انطلاقاً من مكانته كقوة اقتصادية عالمية، وقد عقد شراكات استراتيجية مع شركاء واشنطن الإقليميين، لكن إلى أي حد يستطيع الاتحاد الأوروبي تحويل موقعه الإقليمي القوي إلى وجود أمني ودفاعي واسع، وهو مطلب أساسي من أبرز اللاعبين الجيوسياسيين في منطقةٍ تتوسع فيها مظاهر العسكرة؟

في فرنسا، فاز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية في 24 أبريل 2022، لكنّ توسّع اللامساواة الاقتصادية وزيادة الانقسامات بين مركز البلد وضواحيه قد يمنعان فرنسا من تبرير تحمّلها لمعظم الأعباء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ورغم التزام ألمانيا بزيادة الإنفاق على الدفاع بأكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً وتغيّر الدور العسكري الألماني في أوروبا، لا يمكن التأكد من تأثير هذه الخطوة على الوجود الدفاعي الأوروبي في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

لكن لا تعني هذه التحفظات بشأن دور أوروبا المستقبلي كلاعبة جيوسياسية مؤثرة أن يوقف الأوروبيون توسيع دورهم الأمني الإقليمي، فقد بدأ الاتحاد الأوروبي يزيد مساهماته الأمنية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، بما يتماشى مع وعوده الواردة في الاستراتيجية الأوروبية لعام 2021، وتتضح هذه النزعة في مشروع «تعزيز التعاون الأمني في آسيا ومعها» الذي يهدف إلى زيادة التنسيق الأمني مع الشركاء الآسيويين، وإضافة أنظمة غير مأهولة إلى العمليات البحرية، وتكثيف التعاون لتقوية قدرات القوات البحرية وخفر السواحل في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. إذا وافق حلف الناتو على مواجهة التحديات الصينية في المجال البحري، فمن المتوقع أن يتكل على جهود الاتحاد الأوروبي التي تصبّ في هذه الخانة.

يجب أن يتحمل عدد إضافي من أعضاء الاتحاد الأوروبي المزيد من الأعباء الأمنية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ لتعزيز الأمن الإقليمي هناك. تستطيع ألمانيا، والبرتغال، وإسبانيا، وبلجيكا، وهولندا، وإيطاليا، ودول الشمال، أن تقدّم الموارد والعناصر البشرية بشكلٍ دائم، لكن يجب أن تبذل هذه الأطراف جهوداً مضاعفة لإثبات قوة الوجود الأوروبي الدفاعي في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ واستمراره على المدى الطويل.

* ليزلوت أودغار

● ليزلوت أودغار - معهد بهدسون إنستتيوت