إن كان هناك ما يستحق الحل والتعليق فهو المجلس البلدي، مع تسريح الجهاز التنفيذي والإداري للبلدية، فهذه المؤسسة المهمة والمنسية بنفس الوقت ليست إلا ديناصوراً مترهلاً وفاسداً يجثم على صدر الكويت ويعوق حركتها وتطورها، وما أغلب القضايا والمشكلات المزمنة التي يعاني منها المواطن إلا وللبلدية الدور الأهم في حدوثها أو استمرارها في أفضل الأحوال، ففسادها وتخلفها ظاهر بالشوارع، من قبح أشكال المباني والبيوت والعمارات ومخالفاتها والإعلانات المزروعة أكثر من الأشجار، ولا يحتاج الأمر لبحث وتحرٍّ أو فتح الملفات لمعرفة الخلل، فعوراتها مكشوفة للجميع وفي كل وقت، فإذا كان الطبيب تخفي المقابر أخطاءه فإن الشوارع تكشف سوآت البلدية بكل وضوح وتجلٍّ.

أعمال البلدية واختصاصاتها تمس الحياة اليومية للمواطن، ومجلسها البلدي الذي ستجري انتخاباته غداً -لمن لا يعلم- أكثر تأثيراً على حياة المواطن من مجلس الأمة، ولا أستبعد أن الكثيرين من أعضاء مجلس الأمة على مر التاريخ السياسي كانوا يريدون فعلياً التمتع بصلاحيات المجلس البلدي لكنهم دخلوا المجلس التشريعي لسوء التقدير وقلة المعرفة أو بحثاً عن النجومية، فمجلس الأمة يناقش العموميات والمجردات النظرية، صحيح أنه يصدر قوانين عامة لكنها ليست بالضرورة تمس كل الناس، وأما النقاشات فلن تؤثر ما دامت ستنتهي بالمضبطة مع شتيمة من هنا وتهديد من هناك، بينما البلدية كل أعمالها تمس أغلب الناس وتؤثر على حياتهم وتفسدها في غالب الأحيان، فيزيد السخط ويكثر التذمر حتى تتحول المسألة مع الوقت إلى موضوع سياسي يناقشه مجلس الأمة لاحقاً ولا يستطيع حله.

Ad

فعلى سبيل المثال، تغيير صغير في نسب البناء بالمناطق السكنية لم يُعطَ حقه من الدراسة والبحث بعمق من جميع الجوانب سواء الفنية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، فقرار مثل هذا يفترض أن يكون أكبر من أن تتخذه البلدية أو مجلسها منفردين، أدى بالنهاية لما نراه ونعانيه اليوم من زيادة على أحمال الكهرباء والماء والبنية التحتية والمجاري وازدحام الشوارع وكثرة قضايا الإيجارات في المحاكم والارتفاع الجنوني لأسعار المنازل، كما غيّر من طبيعة الأسرة والمجتمع الكويتي بصفة عامة، فتحول الناس من أسر طبيعية تعيش في بيوت واسعة إلى مؤجرين يعيشون في شقق صغيرة داخل مناطق كان يفترض أنها نموذجية، وهم في أثناء كل ذلك ينتظرون منزل العمر الذي سترخصه لهم البلدية بعد أن تتوفر الأراضي السكنية بمباركة البلدية أيضاً ومخططها الهيكلي، فتعقدت الأزمة الإسكانية أكثر وأكثر لتضغط على المواطن وميزانيته وتزيد من أزماته وقلقه وسخطه، ومطلوب بعد ذلك إيجاد الحلول من الحكومة والمجلس التشريعي بسبب سوء تقدير البلدية المحترمة من البداية.

البلدية هي وجه أجهزة الدولة الفضولية القبيح الذي يضع لمسته المزعجة على حياة الفرد في الكويت ويتدخل في كل شيء منذ الميلاد حتى الوفاة، حرفياً لا مجازاً، بدءاً من إصدار تراخيص بناء المستشفيات مروراً بتراخيص البيوت والعمارات والأعمال التجارية والمطاعم وجمع القمامة وصولاً للإشراف على المقابر ورحلة الوداع، وما بين ذلك الحياة بكل تفاصيلها وإزعاجها الذي تتسبب بأغلبه لنا البلدية ولا تهون وزارة الشؤون، فإذا كانت البلدية "ريا" فإن الشؤون هي "سكينة"، والداخلية هي "عبدالعال" الحامي الرسمي للشقيقتين، وما نحن إلا ضحايا نبحث عن مهرب منهم قدر الإمكان.

فهد البسام