استكمالاً لمقال الأسبوع الماضي بشأن "الكراسي المتحركة" نستعرض في هذا المقال أيضاً، من ضمن ألعاب الأطفال الشعبية القديمة، والتي تمثل مقلباً يتم إيقاع أحدهم للآخر فيه، ما يُعرف بلعبة "إسقاط الكرسي"، حيث يقوم عدد من الأطفال الأشقياء بعمل مقلب لأحد أصدقائهم، حيث يرتبون له كرسياً للجلوس عليه، وحين يهم بالجلوس يتم سحبه وتغيير مكانه، فيسقط الطفل بشكل مفاجئ على الأرض، ويتفاوت أثر هذا السقوط الفجائي؛ بين كدمات بسيطة، أو آلام في الظهر والفقرات العجزية، وقد تصل الإصابات أحياناً إلى حد الكسور... ويظل ذلك الطفل المنكسر والمدلل محلاً لسخرية أصحابه، وهو ما يفقده التوازن في معظم تصرفاته.

ولعلنا نحاول أن نسقط هذه اللعبة الطفولية على واقعنا السياسي، كي نكتشف أن أحوال سقوط الكراسي السياسية متعددة، وأحدثت إصابات موجعة للدولة ومؤسساتها ومكونات سياسية متعددة سواء بسواء.

Ad

فمن يصل إلى الكرسي لدينا في الكويت - ومثله في العالم العربي- يعيش - في معظم الأحوال- حالة من الهيستيريا ويصبح همه استمراره فيه، تماماً مثل أولئك الأطفال الذين يخشون إسقاط كراسيهم من تحتهم، ويهيأ لهم أن نهاية العالم ستحل إن فقد أيٌّ منهم كرسيه.

ولعل فك لغز هاجس فقدان الكراسي أو سقوطها، يمكن إدراكه سريعاً، حينما نعلم بأن معظم من يصلون إلى هذه الكراسي السياسية، لم يصلوا إليها بمؤهلاتهم ولا قدراتهم، فهم إما وصلوا إليها بطرق غير مشروعة، أو بأساليب ملتوية كالخطف أو الهبوط "ببراشوتات" الواسطة أو المحسوبية، أو بشرائها بمال فاسد لم يتعبوا في تحصيله، فينفقونه للحصول على الكراسي، أو يوظفون الفئوية، قبيلة كانت أو طائفة أو عائلة أو منطقة أو عرقاً أو غيرها، وصولاً إلى تلك الكراسي.

وإذا كان المثل الشهير يقول إن "فاقد الشيء لا يعطيه" فإنه ينطبق على هؤلاء الأطفال من السياسيين ممن حازوا الكراسي، فكل منهم ليست لديه مؤهلات ولا قدرات شخصية للوصول إلى الكرسي، ولذا يعيش حياته أسيراً لهاجس هيستيريا فقدانه، فهو في حقيقته خواء أو "تافه" وفجأة شعر أنه أصبح شيئاً له "قيمة" وهو يعلم في ذاته أنه خواء لأنه لا يملك "أي قيمة أو مؤهلات أو قدرات"، وأن ما اكتسبه من قيمة ومكانة رغم "تفاهته" كان بسبب الكرسي الذي اعتلاه في غفلة من الزمن وغياب المعايير والنظام.

وهو ما يفسر بشكل واضح لغز العيش في هيستيريا سقوط الكرسي من تحته، فتجده دائماً ما يفقد توازنه في معظم تصرفاته، خوفاً من السقوط من الكرسي.

ولعل الإمعان في حالة التردي والتراجع المريع الذي يعيشه البلد، والبلدان العربية، يصبح مدركاً إن علمنا أن الغالبية العظمى ممن "يحتلون" الكراسي، نعم أقول "يحتلون" وأنا أقصدها كلمةً ومعنى، هم "التافهون" أو "الحمقى" أو "الجاهلون" أو "الفاسدون" أو كل ذلك معاً، وهم خواء بلا مؤهلات ولا قدرات، ولذا يصبح "الكرسي" هو الغاية والوسيلة والهدف، لأن كلاً منهم من غير ذلك الكرسي لا وجود له ولا قيمة، ولا ولن يملك أي قدرة تمنحه اعتباراً وقيمة لذاته، وهذا هو سر لغز "هيستيريا سقوط الكراسي".

فهل يمكن أن يستغرب أحدكم تفاهة شاغلي الكراسي السياسية والعليا؟ أم هل يستغرب أحدكم لغز الهستيريا لديهم لفقدان الكرسي؟ أم هل يستغرب تحوُّلهم إلى دمى أو صبيان حفاظاً على الكرسي؟ أم هل نستغرب جميعاً ضحالة وضآلة شاغلي الكراسي والتردي الذي بلغه بلدنا بسبب وجودهم عليها؟

لا شك أنه قد مر علينا العديد ممن سقطوا عن الكراسي، ورأينا وعشنا وشاهدناهم كيف يعيشون بلا توازن بعد سقوطهم! وهو ما ندرك وجعه وآلامه والكسور التي ستلحق بمن سيسقط عنها قريباً، ممن يعيش هيستيريا فقدانها! ولذا فإنه قد أقحم البلد في دوامة الفساد والدمار والانهيار، بسبب هيستيريا بقائه على الكرسي، لكنه سيسقط عن كرسيه بلمح البصر، فتلك نهاية لعبة سقوط الكراسي، فبمجرد سقوطها مادياً أو اعتبارياً أو واقعياً، سيتساقطون واحداً تلو الآخر!

محمد المقاطع