تصيب الأمراض الجسد عادة، إلا أن هناك أمراضاً أخرى بمواصفات مختلفة، تصيب المجتمعات، في زواياها الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، أشهرها "المرض الهولندي"، كنموذج يُطلَق على مجتمعات تعاني نفس الأعراض التي تعافت منها هولندا.

كتبتُ سابقاً عن "المرض الصومالي"، كما أن حالة الانسداد السياسي المزمنة والأزمات المستمرة عندنا قد تستدعي أن نطلق عليها "المرض الكويتي"، مما يتطلب تشخيصاً موضوعياً، في سبيل العلاج.

Ad

وتمر سريلانكا حالياً بحالة شلل سياسي، وانهيار اقتصادي شامل، أدى إلى اشتعال المظاهرات، ومهاجمة مساكن السياسيين وأعضاء البرلمان، وإحراق 38 منزلاً على الأقل، مما اضطر رئيس الوزراء إلى الاستقالة، ودفع الرئيس، رغماً عنه، إلى تعيين رئيس وزراء جديد صرح بأن الأوضاع في غاية السوء.

وبلغ سوء الإدارة مبلغاً، فلم يعد في خزينة الدولة أكثر من 50 مليون دولار للإنفاق على احتياجات المواطنين، ووصلت الديون الخارجية إلى حد لا يمكن معه التحرك، وباتت البلاد في حالة ارتهان للخارج من الصعب الفكاك منها.

أما في التفاصيل، فالرئيس ورئيس الوزراء شقيقان، ولهما ثلاثة وزراء كذلك من نفس العائلة، استقالوا أيضاً تحت الضغط. والعائلة تمكنت بوسائل عديدة من الهيمنة الكاملة على مفاصل الدولة، مستخدمة الانتصار على حركة "نمور التميل"، بعد حرب أهلية دامت عدة عقود، لتتحول الدولة السريلانكية، وهي من أعرق الديموقراطيات في آسيا، إلى ما يشبه الدكتاتورية المرتهنة لأسرة واحدة، حتى حدثت حالة اضطراب حادة، أرغمت رئيس الوزراء على الاستقالة، ووضعت الرئيس (شقيق رئيس الوزراء) في حالة صعبة غير مسبوقة.

فهل ما يجري حالة طبيعية يمكن أن تتمدد وتتكرر؟ أم يمكن وصفها بخصوصية سريلانكية؟ أم أنها حالة مكررة، قد تتفاقم بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية العالمية؟ أم أن أعراض المرض السريلانكي قابلة للتمدد والانتشار لمجتمعات أخرى؟ وهل هو مرض عابر سينتهي، أم أنه باق وسيتمدد؟

أ. د. غانم النجار