حين حاولت روسيا إطلاق هجوم سريع ضد العاصمة الأوكرانية، كييف، في شهر فبراير الماضي، شكّلت بيلاروسيا المجاورة منصة لتحركات القوات الروسية، فأصبح البلد شريكاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي أولى مراحل الحرب، احتشد آلاف الجنود الروس على حدود بيلاروسيا مع أوكرانيا، على بُعد مئات الأميال من كييف، وعندما سقط عدد كبير من القتلى في صفوف الروس خلال وقتٍ قصير، ملأ جنودهم المستشفيات والمشارح في بيلاروسيا، وحين انسحب الروس من منطقة كييف بعد مواجهة مقاومة أوكرانية شرسة وبسبب كثرة الشوائب في عملياتهم، حصل الانسحاب عن طريق بيلاروسيا أيضاً.

Ad

يُعتبر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حليفاً مقرّباً من موسكو منذ فترة طويلة، وقد اضطر للاتكال بالكامل على الكرملين الذي هبّ لإنقاذه بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدها بلده في عام 2020 وكادت تنهي عهده القائم منذ عقود، هذا الاتكال سهّل الهجوم الروسي ضد كييف وربط مصير بيلاروسيا بأوكرانيا. تقول جولي فيشر، المبعوثة الأميركية الخاصة إلى بيلاروسيا: «نحن نعتبر بيلاروسيا على صلة قوية بالتطورات في أوكرانيا، إنه جزء من الأسباب التي تجعل أصداء الأحداث الأوكرانية تتجاوز حدود البلد، هذا الرابط فوري ومباشر مع بيلاروسيا». اعتبر قادة المعارضة البيلاروسية في المنفى أن الحرب أكدت عدم شرعية لوكاشينكو الذي بدأ ولايته الخامسة في عام 2020، غداة انتخابات اعتُبِرت مزورة على نطاق واسع، فرضت الدول الغربية عقوبات على بيلاروسيا ونظام لوكاشينكو بسبب حملة القمع العنيفة التي تلت الانتخابات وبعد تسهيل الهجوم على أوكرانيا. منذ بدء الحرب، تنشط شبكات من المخرّبين البيلاروس سراً لتعطيل نظام السكك الحديدية في البلد وإضعاف الشبكات اللوجستية المحاصرة في موسكون ووصلت كمية كبيرة من الإمدادات العسكرية الروسية إلى أوكرانيا عن طريق بيلاروسيان وفي شهر فبراير أعلنت جماعة القرصنة «أنصار الإنترنت»، التي أسسها خبراء بيلاروس في تكنولوجيا المعلومات في المنفى، استهداف شركة سكك حديد حكومية في بيلاروسيا، مما أدى إلى تعطيل سكك الحديد وتباطؤ عملها في محيط العاصمة «مينسك» ومدينة «أورشا» الشرقية.

أعادت الحرب إحياء القوى البيلاروسية التي تدعم الديموقراطية واضطرت للعيش في المنفى بعد حملة القمع العنيفة في عام 2020. تقول زعيمة المعارضة البيلاروسية، سفياتلانا تسيخانوسكايا: «يجب أن تكون القوى الديموقراطية وجماعات المجتمع المدني قوية وسليمة في الوقت الراهن، إلى أن نصبح مستعدين للانتفاض مجدداً»، يوجد أعضاء من فريقها في كييف طوال الوقت، وهم يخططون لفتح مكتب لدعم البيلاروس في أوكرانيا وتسهيل التواصل مع الحكومة الأوكرانية.

رغم استمرار الحُكم الاستبدادي الذي منح لوكاشينكو لقب الدكتاتور الأخير في أوروبا طوال عقود، تشمل بيلاروسيا مجتمعاً مدنياً صغيراً لكن قوياً ووسائل إعلام مستقلة، وقد انتقل معظمها الآن إلى بولندا وليتوانيا.

يقول يورغ فوربريغ، مدير شؤون وسط وشرق أوروبا في «صندوق مارشال الألماني» في برلين: «برأيي، قد تتطور بيلاروسيا بوتيرة سريعة وناجحة إذا تحررت من سطوة لوكاشينكو ومن سيطرة روسيا الخارجية على السلطة المحلية».

أدت الحرب أيضاً إلى تشديد موقف المعارضة من روسيا، فقبيل الحرب، كانت تسيخانوسكايا تتوخى الحذر في مواقفها، فتعترف بنفوذ موسكو في البلد وبالمواقف الإيجابية التي يحملها عدد كبير من البيلاروس تجاه جارتهم الشرقية: «نحن لم نرغب في المشاركة في هذه اللعبة الجيوسياسية. كانت معركتنا داخلية ضد لوكاشينكو، لكن حين شاهدنا احتلال القوات الروسية لأراضي بيلاروسيا أصبحت معركتنا جيوسياسية أيضاً، فنحن لا نحارب ضد لوكاشينكو وحده بل ضد غزو الكرملين».

طوال سنوات، حاول لوكاشينكو أن يؤجج الصدام بين روسيا والغرب خدمةً لمصالحه السياسية الخاصة. في شهر أبريل دعا وزير الخارجية البيلاروسي، فلاديمير ماكي، إلى تجديد الحوار بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي.

تقول كاتسيارينا شماتسينا من «صندوق مارشال الألماني»: «من جهة، بدأت بيلاروسيا تتأثر بالعقوبات وهي تتجه إلى حالة من الركود وتقترب من المحور الروسي. ومن جهة أخرى، يسعى النظام البيلاروسي مجدداً إلى استرجاع توازنه والتقرب من الغرب، فيحاول بذلك استغلال هذه الأزمة لمصلحته».

لكن بعد الانتفاضات في عام 2020 وتدخّل الكرملين لتعزيز سطوة لوكاشينكو على السلطة باعتباره من أتباع موسكو الأساسيين على الجناح الغربي لروسيا، رغم شخصيته المثيرة للجدل، أصبح مستقبل لوكاشينكو مرتبطاً الآن بمستقبل بوتين.

في النهاية، تقول تسيخانوسكايا: «يعني فوز أوكرانيا بهذه الحرب أن الكرملين ضعيف جداً وأن لوكاشينكو ضعيف بالقدر نفسه».

* إيمي ماكينون

Foreign Policy