من لم يسمع بعباس بن فرناس، العالم العربي الأندلسي، العالم في الرياضيات والفلك والكيمياء، والفيلسوف والمخترع، والشاعر اللبيب، والموسيقي المحترف، حتى أنه لقب بـحكيم الأندلس، إنه أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التاكرني، ولد من أسرة عربية في زمن الدولة الأموية، في تاكرنا وهي من أعمال أو ضواحي رندة.

نشأ عباس بن فرناس وتعلم في قرطبة، فبرع في الفلسفة والكيمياء والفلك، وكان مقربا من بلاط الأمراء، فعاصر الحكم بن هشام، ثم ابنه عبدالرحمن، ثم حفيده محمد حيث توفي في أواخر عهده، اتخذه عبدالرحمن بن الحكم معلما له في الفلك.

Ad

اشتهر بن فرناس عند الغرب كما هو عند العرب، فذاع صيته باختراعاته وفلسفته اللتين سبق بهما عصره، فاتُهم بسببهما بالكفر والزندقة، فتمّت محاكمته علنا في المسجد الجامع، إلا أنه خرج منها بريئا من تهم مبالغ فيها وُجّهت إليه من الجهلة والحاقدين.

أهم اختراعات وإنجازات بن فرناس «الميقاتة» أي الساعة المائية، وتصنيعه للزجاج الشفاف من الحجارة، وصنع نظارات طبية، وصنع سلسلة من الحلقات تحاكي حركة الكواكب والنجوم المعروفة في زمنه، كما بنى أول قبة سماوية كنموذج يمثل النجوم في السماء، يرى فيها الزائر النجوم والسحاب والصواعق والبرق بتقنيات يديرها من معمله أسفل منزله، وطوّر طريقة لتقطيع أحجار المرو الصلبة في الأندلس عوضا عن إرسالها إلى مصر، وهو أول من صنع قلم حبر في التاريخ، أما أعظم إنجازات بن فرناس التي اشتهر بها، فهي استخدامه جناحين طار بهما كأول إنسان في التاريخ لمسافة قصيرة بالقرب من قصر الرصافة في بغداد، ولكنه فشل في الهبوط السليم لعدم استعانته بذيل يحفظ له توازنه، مما أدى إلى إصابته بعدة كسور.

بادرت عدة دول إلى تخليد مكانته العلمية، فقد سُميت فوهة بركانية قمرية باسمه، ووضع له تمثال أمام مطار في بغداد، كتب عليه أول طيار عربي ولد في الأندلس، وأصدرت ليبيا طابعاً بريدياً باسمه، وأطلق اسم «عباس بن فرناس» على جسر على نهر الوادي الكبير في قرطبة الإسبانية، وفي منتصفه تمثال له مثبّت فيه جناحان يمتدان إلى نهايتي الجسر، وفي رندة مسقط رأسه افتتح مركز فلكي يحمل اسمه.

فعباس بن فرناس أحد العلماء الذين أنجبتهم أمتنا، فهل عجزت الأمهات عن إنجاب علماء مثله حتى نفاخر بهم العالم في عصرنا هذا المظلم؟

طلال عبد الكريم العرب