فقدت الساحة الثقافية السعودية والعربية؛ الشاعر الإعلامي علي الدميني الغامدي، الذي رحل أمس الأول إثر معاناة مرضية لم تمهله طويلاً.

والفقيد من مواليد قرية محضرة بمنطقة الباحة، عام 1948، ومن أبرز الشعراء المجددين، وهو أديب وناشط.

Ad

وتعدّ تجربة الدميني في الشعر الحداثي من أهم التجارب في فترة الثمانينيات الثريّة، لجرأتها. ويُعرف الدميني بجودة شعره وعمق مضامينه الوجودية والتطلعية، ومن أعماله: "رياح المواقع"، و"بياض الأزمنة"، و"خرز الوقت" و"بأجنحتها تدقّ أجراس النافذة"، وقصيدته "الخبت" من أشهر القصائد على المستوى العربي.

أشرف الدميني على ملحق "المربد" الثقافي الشهير في الثمانينيات بصحيفة اليوم، ومن ثم أسس مجلة النص الجديد الشهيرة وهي مجلة ثقافية طليعية من الدمام صدرت في مطلع الثمانينيات، واحتوت على تجارب ونصوص حداثية.

للدميني إنتاجات عديدة في الصحافة والمناشط الثقافية في المقال والنثر والقصيدة، وله في حقل الرواية، رواية الغيمة الرصاصية و"أيام في القاهرة وليال أخرى".

الوعي الإنساني

وأكد الناقد أحمد بوقري أن الدميني يكتنز في داخله منجمًا من الصدق الإبداعي والوعي الإنساني الرفيع، ومدى لا يحد من الأفق الرحب الطليق، معجونًا بالموقف الأخلاقي النبيل وعذوبة الروح وطفولتها المتجددة الدائمة.. ويفور بين جوانحه حب غزير للآخرين لا يوازيه حب. ولا يفصل القيمة الإبداعية في تجربته عن القيمة الأخلاقية في تجربته الإنسانية؛ لأنّها شعور حقيقي وأصيل في قلبه وعقله؛ عقله الطليق المنفتح على فضاءات إبداعية وفكرية متعددة متقاطعة أم مغايرة لقناعاته، محلية أو كونية كرّست لديه مفاهيم أخلاقية وفلسفية تخطّت دوائره الأيديولوجية والسياسية، ومدرسته الأدبية اليسارية، وانتماءاته المرنة للتيار الواقعي النقدي، فنجده يحتفي بفرحٍ وطني غامر بالتيار البنيوي والشكلاني و"الما بعد" حداثي في النقد الجديد، عندما انبثق في واقعنا الأدبي في الثمانينيات، كما مثله في مشهدنا الثقافي كلٌّ من عبدالله الغذامي وسعيد السريحي، وأفاد من معطياته المنهجية والإجرائية في اشتغالاته النقدية، تمامًا كانفتاحه على تجربة قصيدة النثر في تجربتنا الشعرية المحلية، والنظر إليها في مدى تحققها لشعريتها وبُعدها التجريبي الإنساني، بعيدًا متسامحًا مع شكلانيتها وتمردها الحاد على قصيدة التفعيلة التي يكتب بها على مدى تاريخه الشعري حتى اللحظة، مضيفاً أنه يفرح لكل عمل إبداعي جاد، ولكل إضافة حقيقية لتجربتنا الشعرية والسردية والفنية، مهما اختلف معها، أو كانت خارج حدود مدرسته الأدبية والفكرية.

هذا الاتساق في الموقف الأخلاقي الإبداعي لا يرقى إليه كُثُر من المشتغلين في الحقل الإبداعي والنقدي في مشهدنا، كما يرقى إليه شاعرنا بامتياز. ويحزنه ويحزننا أن نجد غيتوات وجزرًا إبداعية منفصلة، فهناك غيتو لشعراء قصيدة النثر، وغيتو لكتاب القصة القصيرة جدًّا، وغيتو للأدب التقليدي، وكل غيتو ينتصر لكتّابه وممارسيه ومحازبيه، ولا ينتصر لقيمة النص الإبداعية في جوهرها المطلق والطليق.

وضمن هذا السياق، نعى عدد من المثقفين الراحل، بعد مسيرة وتجارب من الإبداع استمرت طوال 50 عامًا. حيث قال الكاتب جعفر الشايب: إن الأديب والشاعر علي الدميني من القامات الشعرية البارزة على المستوى العربي، وهو من الشخصيات الوطنية المناضلة التي قامت بدور تنويري كبير، موظّفا مختلف المنابر الإعلامية التي عمل بها أو أسسها، فأخلاقه العالية وعلاقاته الإنسانية الجميلة تعطي للتواصل معه قيمة وتحقق توافقا متلازما مع من حوله.

عمق وثراء

وقال الكاتب عبدالله الصيخان: لم يكن الصديق الراحل علي الدميني شاعرا كبيرا فحسب، بل كان إنسانا نبيلا ومصلحا وطنيا وناقدا عميقا، أضاف إلى منجزنا الشعري العمق والثراء، وساهم في تطوير أدواتنا، وأخذ بأيدي الشعراء الذين جاءوا بعده، وكان وفيا لمن سبقه في التجربة.

قضايا مصيرية

فيما قال الشاعر زكي الصدير: رحل صاحب "الخبت"، الذي قدّم للمشهد الثقافي الكثير، في ملحق المربد، وفي النص الجديد، وفي المنبر، وفي عديد من تأسيساته التنويرية، رحل الناشط الذي نذر نفسه لوطنه، ولقضاياه المصيرية، والذي دافع - بشجاعة - من أجله، ومن أجل استمرار مسيرته.

وقال الكاتب سعد البازعي: فجعت بنبأ وفاة الشاعر الكبير، الأخ الصديق علي الدميني، يرحمه الله رحمة واسعة، اسم كبير محفور على واجهة الشعر العربي الحديث، ومثقف ترك أثره الذي لا ينسى على مشهدنا الفكري والإبداعي.

فضة المعيلي