منذ سنوات ونحن نسمع عن غرق مراكب تحاول أن تنقل مهاجرين غير شرعيين من جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه إلى شماله... وهؤلاء المساكين بعد أن تقطعت بهم السبل وجارت عليهم حكومات بلدانهم بسبب سوء الإدارة والفساد والقهر والذل والجوع، اعتقدوا أنهم بتجميعهم لكل مدخراتهم المالية والاستدانة من أقربائهم لكي يهاجروا بها بشكل غير شرعي عن طريق مراكب الموت ينتقلون إلى عالم أفضل للعيش بالهجرة، إلا أنهم ذهبوا إلى حتفهم بسبب جشع المهربين ووضعهم مئات البشر في قوارب صغيرة خالية من أي مقومات للسلامة.

لكن إلقاء المسؤولية على المهربين فقط دون الإشارة إلى مسؤولية الحكومات في هذه البلدان جريمة كبرى، فهذه القوارب انطلقت من شواطئ وأبحرت من بلدان فيها خفر سواحل ورادارات بحرية يفترض أنها قادرة على اكتشاف كل مركب ولو كان صغيراً، فأين كانت هذه السلطات؟!

Ad

في تقديري المتواضع هذه المراكب تُركت عمداً لكي تبتز حكومات بلدان شرق البحر المتوسط وجنوبه بلاد الغرب، بالقول إذا أردتمونا أن نوقف الهجرة غير الشرعية فعليكم تزويدنا بالمال، وإذا لم يتم ذلك ونجحت فعلاً بعض القوارب في الوصول إلى وجهتها، فهذا المهاجر سيسوي أموره ويستقر وبعدها سيكون قادراً على إرسال المال إلى أقربائه في بلده الأم، وفي حال غرق المركب فدموع التماسيح وبعض الكلمات الاستهجانية لمسؤولي هذه الدول ستفي بالغرض لتقنع الرأي العام العالمي أن هذه الحكومات تهتم بشعوبها، وهذا أبعد ما يكون عن الواقع الفعلي.

فعلاً ما الذي يجعل مواطناً يسكن في بلدان لديها موارد وخيرات مطلة على شواطئ جميلة أن يهرب من واقعه السيئ لكي تبتلعه أمواج البحر سوى انعدام الأفق وعدم وجود نور في آخر النفق؟!

الفساد والتبعية للخارج تحت ذرائع دينية، والظلم والعهر الذي تمارسه الحكومات هي السبب، أما توجيه اللوم للاستعمار الأوروبي والأميركي وظلم الغرب الكافر لنا فهو استمرار للتنصل من المسؤولية التي يفترض أن يتحملها قادة بلدان شرق وجنوب البحر الأبيض مجتمعين.

فهل وصلت الرسالة؟ آمل ذلك.

قيس الأسطى