أسس رفيق سبيعي مع نخبة من الممثلين السوريين قاعدة متينة وثابتة للأعمال الدرامية السورية منذ بداية تأسيس التلفزيون، والتي استمر تطورها مع تطور الوسائل المستخدمة في صناعتها، ومع التطور الكبير أيضا في وسائل الاتصال، ومع دخول شركات الإنتاج الخاصة في وقت لاحق.

وأعطى سبيعي في أعماله كل ما استطاع من عطاء مع اختلاف الشخصيات التي أدى أدوارها، واختلاف نوعية الأعمال من الكوميدي والاجتماعي والتاريخي والبيئة الشامية وغيرها، لكنه برع في أداء أدوار شخصية زعيم الحارة أو مختارها أو كبيرها مثلما برع دائما في أداء شخصية أبوصياح المتفردة.

Ad

واستمر سبيعي بعد مسلسلي "مقالب غوار" عام 1967، و"حمام الهنا" عام 1968 بالمشاركة في الدراما، فكانت مشاركته في مسلسل "دروب ضيقة" 1980، و"الحريق" 1982، و"الينابيع" 1982، و"عريس الهنا" 1984.

أما عريس الهنا فهو حلقات كوميدية من تأليف وبطولة الفنان "نهاد قلعي"، الرجل الكبير الذي ينتظر عريساً لابنته، وفي كل مرة يتقدم عريس لطلب يدها تحدث له مشكلة، وسط أجواء مضحكة ومفارقات كوميدية. وهو من ﺇﺧﺮاﺝ محمد الشليان، وشارك فيه: نهاد قلعي، سلوى سعيد، ناهد حلبي، ياسين بقوش، رفيق سبيعي، سامية الجزائري، وغيرهم.

ثم تابع عام 1989 في مسلسل "لك ياشام"، و"الخشخاش" 1991 في أداء دور "أبومحمود"، حيث تدور أحداث المسلسل في إحدى القرى الريفية النائية، إذ تعاني هيام عجرفة صالح زوجها وعصبيته الشديدة، والذي حرمها من استكمال الدراسة في الجامعة، وسرعان ما تطرأ تطورات عدة على علاقتهما. الإﺧﺮاﺝ: بسام الملا، والتأﻟﻴﻒ: فؤاد شربجي، أما الممثلون المشاركون فهم: منى واصف، رفيق سبيعي، عباس النوري، سلوم حداد، فاديا خطاب، سلمى المصري، وغيرهم، وفي عام 1992 شارك في مسلسل "الانحراف".

«أيام شامية»

وشارك سبيعي في عام 1992 في عمل حقق نجاحا جماهيريا كبيرا عند عرضه، وهو "أيام شامية"، حيث أدى فيه الفنان دور الزعيم أبو صطيف، ويروي المسلسل قصة حي من أحياء دمشق في أواخر العهد العثماني وبداية عصر النهضة، مقدما العادات والتقاليد والعلاقات التي كانت سائدة في ذللك الوقت. أخرجه: بسام الملا، وكتبه أكرم شريم، كما شارك فيه نخبة من نجوم سورية: ناجي جبر، رفيق سبيعي، عباس النوري، بسام كوسا، سامية الجزائري، هالة شوكت، عدنان بركات، خالد تاجا، سليم كلاس، وفاء موصللي، هدى شعراوي، حسام تحسين بيك، وغيرهم.

وكشف سبيعي خلال لقاء تلفزيوني له في برنامج "بيت القصيد" عام 2013 أنه رغم كل النجومية التي حققها، لم يرض عن كل أدواره، وقال: "أصبحت المسلسلات في كل فترة تبتعد عن حقيقة الواقع، فمثلا الكاتب الذي قدم مسلسل "أيام شامية" لجأ لمراجع ومصادر من المقيمين "المستشرقين" من ألمان وإنكليز وفرنسيين عاشوا فترة 1910 بدمشق، وأرّخوا لهذه الفترة، ومنهم استقى الأعمال التي قدمها"، مضيفا: اليوم اشتغل خيال المؤلفين، وأصبح هناك استنساخ مشوه، وبدأت "أكش" على حد تعبيره من هذه الأعمال، ويفرض علي أحيانا بعضها، ولست راضياً عن بعض ما قدمته منها.

الجدير بالذكر أن الفنان رفيق سبيعي في عام 1986 رفض الشخصية التي عرضت عليه في مسلسل "رجال وضباب"، لأن الدور يمثل شخصية رجل خائن، الشخصية التي أداها الفنان المرحوم "عدنان بركات" في هذا المسلسل، ويقول مخرج العمل "جميل ولاية": كنت قد عرضتها عليه، لكنه لم يوافق فشخصية "أبوصياح" لا تتناسب معها إلا شخصيات لها نفس الفكر، وهذه ميزة امتاز بها رفيق.

سيف الدين سبيعي: أبي سيحمّلني مسؤولية كبيرة
يرى سيف في والده رفيق سبيعي حاله عامة، أكثر من أنه أب له، ويشعر بنظرة الناس لهذا الفنان الإنسان من قبل العاملين في المجال الفني أو من الناس العاديين، وهذا الأمر سيحمله عبئا كبيرا، ومسؤولية للعمل في ظل هذا الشخص "رفيق سبيعي" سواء في التمثيل أو الإخراج في الوقت الحالي.

ويتابع: "مهما أنجزت فإنني أعتبر نفسي مقصرا في ظل هذا العطاء الكبير الذي قدمه، وأتمنى أن أحقق جزءاً من طموحه الذي يتحدث عنه دائما، وأن أكون قد وضعت رجلي على السكة. وفي عملي كمخرج مع الفنانين الكبار كـ"رفيق سبيعي" منى واصف، وعبدالرحمن آل رشي، وخالد تاجا، وثناء دبسي، وكل من كان فنانا من الزمن الجميل يستطيع الكل أن يدرك مدى فهم هؤلاء لتقاليد المهنة، ولمجرد موافقتهم على العمل مع أي مخرج يتحولون مباشرة إلى عجينة مطيعة بين يديه يستطيعون فعل ما يريدونه، ومع أبي كنت مرتاحاً جداً، لكنني أثناء العمل أواجه مشكلة لا أستطيع مناداته إلا "بابا"، وفقاً لحوار عام 2008 مع الإعلامية هيام حموي على إذاعة "شام إف إم" المحلية السورية.

«ليالي الصالحية»

أكمل سبيعي أداء أدوار مختلفة في التسعينيات، ففي عام 1993 شارك في مسلسل "دمشق يا بسمة الحزن"، و"العبابيد" في عام 1996، والمسلسل الاجتماعي الذي حاز نسبة مشاهدة عالية "الفصول الأربعة ج1" عام 1999، ثم "أنشودة الأمل" في نفس العام، و"قصص الغموض" عام 2000، والمسلسل التاريخي الشهير "صلاح الدين الأيوبي" عام 2001، و"مبروك" في نفس العام أيضا، ثم "اللوحة السوداء" 2002، وفي نفس العام شارك في العمل التاريخي "صقر قريش"، و"عمر الخيام" أيضا، وفي 2003 شارك بمسلسل "مرايا"، و"مرزوق على جميع الجبهات" عام 2004، وفي نفس العام كان له دور أساسي في مسلسل "ليالي الصالحية"، حيث أدى فيه الفنان سبيعي دور المختار أبوحاتم، وتدور أحداثه حول أمانة بداخلها 500 برغوت ذهب لأبو المخرز يتركها أبوناجي، وبعد وفاة والد المخرز تترك الأمانة عند المعلم عمر، ليخرج المخرز فجأة من السجن على عكس توقعات أهل الحارة بوفاته قبل فترة من الزمن فتحرضه أمه بإخباره عن الأمانة الموجودة عند المعلم عمر، وهنا يبدأ الخلاف بين أولاد العم إلى أن يتمكن المخرز من إعداد خطة تمكنه من الحصول عليها. العمل من تأليف: سلمى اللحام، وﺇخراﺝ: بسام الملا والممثلون: عباس النوري، كاريس بشار، منى واصف، بسام كوسا، سامية الجزائري، هالة شوكت، سليم كلاس، نبيلة النابلسي، حسام تحسين بيك، قيس الشيخ نجيب، وفاء موصللي، عصام عبه جي، سحر فوزي، وائل شرف، تولين البكري، وغيرهم.

«كحل العيون»

شارك الفنان رفيق سبيعي في مسلسل "كحل العيون" عام 2005، ويظهر في هذا العمل الحنين إلى الماضي، وقد احتل جزءا كبيرا من شخصية سبيعي من خلال جديلة شعر لحبيبته احتفظ فيها ومجموعة من الأسلحة التي شارك فيها بالثورة. سبيعي في حوار إذاعي مع الإعلامية القديرة هيام حموي وصف نفسه بالإنسان العاطفي، وتتغلب عنده العاطفة على العقل، وهذه النوعية من الأدوار تأخذ حيزا كبيرا من اهتمامه، وقال أيضا: أشعر بسعادة غامرة أثناء تأدية هذه الأدوار، حيث يختلط فيها كل شيء من العقل والعواطف والمواقف كبكرة من الصوف معلقة ضمن أشواك من الصعب انتزاعها، مضيفا أن تلك الشخصيات تشكل تحديا بالنسبة له، ويعتقد أن هذه الحالة تبرز قدرة الممثل على التكيف مع الدور الذي يجب على الفنان دراسته من نواح ثلاث: السيكولوجية أولا، ثم السيسولوجية (الاجتماعية)، والفيزيائية، فقد يعرض على رفيق أدوار معينة فيكون رده أن شكله مثلا لا يناسب هذا الدور فيرفضه وقد يعرض عليه دور لشخصية اجتماعية يرفضها لعدم قدرته على الإحساس بها، ومهما امتلك الفنان من مقدرات فإنه لا يستطيع أداء كل الشخصيات، لكن هناك شخصيات منسجمة تماماً مع سيكولوجيته، وأخرى لا تنسجم، وتأدية هذه الشخصية يشعره بالإرهاق الشديد مشبها الأمر بانسلاخ الإنسان عن جلده ليستطيع تأدية تلك الشخصية، أما عن الحنين والتعلق بالماضي فلا يفكر فيه، لأن تفكيره به سيعيق عمله في المستقبل، وعندما ينجز عملا في فترة معينة تنتهي تلك المرحلة ليبدأ بواحدة جديدة كي يحقق أشياء لم يستطع تحقيقها مسبقا.

وأوضح أن أهم عمل لم يستطع تحقيقه هو المسرح الغنائي ولديه حنين له، إضافة إلى الهواية التي تتملكه اتجاه هذا المسرح ففي سنة 1960 شاهد أوبريت "العشرة الطيبة" من ألحان سيد درويش في مصر، عندما ذهب لينجز دورة في الإخراج الإذاعي هناك، وأوبريت "يوم القيامة" من ألحان ذكريا أحمد، حيث سلبه الجمال والعظمة والفرقة الموسيقية الحية، ومن الأغاني التي يذكرها "يا حلاوة الدنيا يا حلاوة"، وجعله العرض وقتها يهم بالبكاء.

وتمنى لو رأى ذاك المشهد على المسرح السوري، ولو أتيحت له فرصة للقيام بعمل مسرحي غنائي سيختار عنوانا له "يوسف العظمة" المقاتل السوري الذي صعد أعلى "قاسيون" ليجابه الفرنسيون عند محاولتهم دخول دمشق، واستمر بالدفاع عنها، رغم علمه أن الأمر محسوم، وأنه سيموت خلال المعركة، أو أن يكون العمل الآخر باسم "سلطان باشا الأطرش" الذي قام بثورة حقيقية أو "صالح العلي"، الذي دعم الثورة وأسسها في الساحل السوري أو "ابراهيم هنانو"، مضيفا "أتمنى أن يتحقق هذا الحلم ولو أسند إلي دور الكومبارس فيه لا مانع عندي".

«الحصرم الشامي»

شارك سبيعي سنة 2005 في مسلسل "زوج الست"، و"فسحة سماوية"، وفي عام 2006 شارك في عمل "أعيدوا صباحي" ليعود سنة 2007 إلى أعمل البيئة الشامية عبر دوره (الشيخ جباوي) في مسلسل "الحصرم الشامي ج1" الذي يتحدث عن الحياة اليومية الاجتماعية لأهل الشام في الفترة بين 1715 إلى 1750 من خلال عدة عائلات شامية وحياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تلك الفترة، ويتضمن أحداثًا تجري في القرن الثامن عشر في فترة سليمان باشا العظم ثم أسعد باشا، وهو من ﺇﺧﺮاﺝ: سيف الدين السبيعي، وتامر إسحاق كمخرج منفذ وﺗﺄﻟﻴﻒ: فؤاد حميرة، كما شارك في العمل كل من الممثلين: عباس النوري، فارس الحلو، قصي خولي، رفيق السبيعي، كاريس بشار، خالد تاجا، ضحى الدبس، عبدالمنعم عمايري، مكسيم خليل، طلال مارديني، نضال سيجري، يارا صبري، وغيرهم، ثم شارك في "أهل الراية ج1" عام 2008 و"الحصرم الشامي ج2" في نفس العام و"أولاد القيمرية"، وفي 2009 شارك بمسلسل "عن الخوف والعزلة"، ثم "الحضرم الشامي ج3" أيضا، وفي 2010 "أهل الراية ج2" يليه "الصندوق الأسود" في نفس العام.

الرقابة العربية من وجهة نظر أبوصياح
شارك سبيعي في مسلسل "بقعة ضوء" كضيف في بعض الحلقات، وفي أحد السكيشتات حاول أن يفصّل مسلسلا على مقاس لوائح الرقابة العربية، فما هو حجم الرقابة الذي عاناه سبيعي في مسيرته؟. ليأتي الرد على لسانه في حوار إذاعي قائلا: إن الرقابة تتسبب في وقف بعض الأعمال أحيانا، ولو عرضت لتركت أثرا جيدا جدا، مؤكدا أن مفهوم الرقابة قد يكون مختلفا ومقاييسهم مثبتة أو نتيجة جبن بعض الرقباء حتى يحافظوا على مراكزهم، وبدلا من أن يتم تغيير المشهد لصيغة أخرى توافق مع الرقابة يتم رفض العمل كاملا، مبينا أن الأمر حصل أكثر من مرة، مما تسبب في ضياع بعض المواهب في هذه الحالات، كما تأسف على هذه الخطوات، وتمنى إعادة هيكلة موضوع الرقابة مجدداً.

وسام الاستحقاق

قبل أن نتابع الحديث عن الأعمال الدرامية للفنان سبيعي فلابد من الوقوف على نقطة مضيئة أدخلت الكثير من البهجة إلى حياة رفيق الفنية والشخصية، حيث أقيم في دار الأوبرا بدمشق مساء الخامس من مارس عام 2008، حفل تكريم لتقليد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، لثلاثة من الفنانين الرواد في سورية، الراحلان (عبداللطيف فتحي) و(نهاد قلعي)، وقد ناب عنهما في الحفل ورثتهما، والفنان رفيقي سبيعي الذي حضر بنفسه، وحظي باحتفاء وتصفيق الجمهور، خصوصاً عندما صرخ رجل شعبي بسيط من داخل الصالة أثناء تقليده الوسام، قائلاً: "والله بتستاهل يا أبوصياح"، ويتحدث سبيعي عن التكريم قائلا: اتصل بي ابني المخرج سيف صباحا وأخبرني بحصولي على وسام الاستحقاق، وتمنيت لو أن زوجتي الراحلة كانت إلى جانبي في هذا التكريم، فهي رفيقة الدرب الطويل، مضيفا "الطريق كان طويلا أشبه بصحراء تحتها الماء وبحاجة لكي أحفر حتى أجد الماء في محاولات كثيرة، وإن لم أتمكن من الوصول إلى ذلك الماء فقد أحفر بيدي حتى أصل إليه، لأن إيماني بالوصول هو الذي يدفعني للمحاولة مرارا وتكرارا دون توقف. هذا هو طريق الفن منذ أن بدأت فيه ولا أحد يعترف بجدوى الفن، وكان صعبا على الفنان الاستمرار، وزوجتي كانت دائما إلى جانبي، خصوصا في اللحظات الصعبة، وتمنيت لو أنها معي في هذا التكريم".

وفي لقاء جمع الفنان سبعي بالرئيس السوري بشار الأسد، نوه الرئيس بمسيرته الفنية الطويلة التي جسدت الفن الشعبي.

يذكر أن رفيق سبيعي رفض أن يكرم في يوم المسرح العالمي من قبل وزارة الثقافة، وكان رده على ذلك: المفهوم السائد لدينا حول التكريم مفهوم خاطئ، هو منة من قبل الحكومة على الإنسان المكرم وليس تقديرا لجهوده وعطائه، وقد نجحوا في تحويل التكريم إلى طقس أو وظيفة بلا قيمة حقيقية.

وأضاف: أذكر في عيد الإذاعة الـ58 وهو أول احتفال يجري بهذه المناسبة، وكنت ضمن لجنة انتقاء المكرمين، حيث اقترحت أن يتم تكريم العشرة الأوائل من مؤسسي الإذاعة، لكن ما حصل أنهم كرموا سبعين شخصا، وغضوا النظر عن الدور التأسيسي وعن الأقدمية، فالذين كرموا هم الناشطون الحزبيون في الإذاعة، وقد قرأت أسماءهم، حيث طلب إليهم أن يأخذوا شهادات التكريم لاحقا من مبنى الإذاعة، وكأن مفهوم التكريم لدينا يختلف عن هذا المفهوم في العالم كله، ولو كان الرجل المناسب في المكان المناسب لما حصل ذلك، فالخلل في الانتقائية والحزبية في توزيع المناصب ينعكس خللا في كل مناحي الحياة وليس في التكريم فقط. ولا شك أن هؤلاء الناس يسيئون للثقافة ولأي منصب يتقلدونه.

شادي عباس