لم يعد مناسباً الاستمرار في الأنظمة الإجرائية للقضايا المدنية والتجارية والجزائية في ظل الارتفاع الكبير للقضايا المقامة من المتقاضين، وهو الأمر الذي يستلزم إعادة النظر في تلك الأنظمة بما ينعكس بالايجاب على طريقة التقاضي، وبما يسهم في تيسير ممارسة حق التقاضي الذي كفله الدستور في المادة 166.

ورغم سلامة المنهجية التي قام عليها نظام التقاضي في الكويت اثناء صدور تلك القوانين الجزائية في عام 1960، أي قبل صدور الدستور، والمدنية والتجارية منذ عام 1980، فإنها لم تعد اليوم صالحة للتطبيق بكل أحكامها، وبات من الواجب إعادة النظر فيها لعدم قدرتها على مواكبة التطورات الحديثة، والمعوقات التي فرضها الارتفاع الكبير في عدد القضايا، والتوسع في انشاء الدوائر القضائية وزيادة المباني القضائية.

Ad

التحول الرقمي

وتلك التطورات والمعوقات جعلت العديد من المشرعين في دول المنطقة يدفعون نحو تغيير مشهد التقاضي، لاستشعار هذه الدول مسبقا أهمية المرحلة، فقررت الدخول نحو التحول الرقمي الإلكتروني للتقاضي عن بعد.

وذلك التحول تحقق بعد قراءة تلك الدول لمشهد التقاضي بشكل واقعي مع متطلبات اليوم، بعيدا عن الوعود والتمني والاستمرار في السباحة عكس التيار دون خطط أو رؤية.

ورغم تقليدية النظام القضائي المعمول به في المحاكمات المدنية والتجارية والجزائية فإن الملاحظ عليه خلوه من أنظمة التسويات والصلح وتشجيعه على نظام التقاضي مباشرة، دون أن ينص على ايجاد النظم المقررة للتسويات والصلح قبل اللجوء الى القضاء، وبما يسهم في تقليل أعداد القضايا المعروضة على المحاكم على حد سواء.

بل إن النظم التي حددها المشرع في بعض القوانين بغية ايجاد حلول لها، كالقضايا المتصلة بالوظائف والعمل في القضايا الادارية والعمالية، فشلت في الحد من وصول تلك القضايا إلى المحاكم، بعدما فشلت الأجهزة المكلفة بالحد منها، فلا الجهات الرسمية تقوم بقبول التظلمات والرجوع عن قراراتها الإدارية الخاطئة، ولا إدارات تسوية المنازعات العمالية التابعة لهيئة القوى العاملة تعمل على نحو جدي في تسوية المنازعات العمالية، وهو الأمر الذي يشير إلى عدم فاعلية تلك النظم ومدى الحاجة إلى إعادة النظر في الدور الذي تقوم به، علاوة على الحاجة إلى ايجاد النظم المقررة للتسويات والصلح بشكل عام قبل اللجوء إلى القضاء الذي بات طريقا سهلا ليست له كلفة!

مراجعة النظام الإجرائي

كما يستدعي الأمر، عند مراجعة النظام الإجرائي للقضايا المدنية والتجارية النص على جملة من القواعد الإجرائية المتعلقة أولا باتصال المتقاضين بالأجهزة القضائية إلكترونيا من حيث قيد الدعاوى والطعون، وثانيا بتوفير الآليات العملية التي تضمن اتصال الخصوم المقامة ضدهم القضايا بالدعاوى القضائية، وثالثا بتوفير البيئة القانونية التي تسهم في تحضير الدعاوى القضائية وإخطار الخصوم للمثول أمام الهيئات القضائية وفق نظام يكفل حقوق الدفاع والمواجهة معا، ويعجل بإصدار الأحكام القضائية، وأخيرا بتوفير الآليات الإلكترونية والبشرية التي تسهم في سرعة تنفيذ الأحكام القضائية.

وتكمن الحاجة في استحداث تلك التعديلات أو ايجاد نظام متكامل للتقاضي بسبب عدم قدرة القواعد الحالية المقررة لأنظمة اتصال المتقاضين بنظام الدعوى أو اتصال الخصوم بها أو المحكمة بسبب كثيرة القضايا وضعف أداء الموظفين المكلفين بالخدمات وغياب الرقابة والتفتيش على أعمالهم التي يقومون بها لمساندة القضاء.

كما أن التعديلات التي أدخلها المشرع سواء في عام 2015 في القانون رقم 26 أو في عام 2020 في القانون رقم 9، هي الأخرى غير كافية لأنها تنظم مرحلة أو مرحلتين من إجراءات التقاضي، بينما باقي المراحل مازالت غائبة إما لعدم إدخالها حيز التنفيذ حتى الآن من المنظومة المشرفة على سير التقاضي ممثلة بوزارة العدل وتحديداً بعدم تفعيل أحكام المادة 45 مكرر من قانون المرافعات والتي تسمح برفع الدعاوى والطعون إلكترونياً.

وإما بعدم النص عليها حتى الآن كالنص على إجراءات تحضير الدعاوى من الهيئات القضائية التي تبلغ برفع الدعاوى ثم تقوم بإخطار أطراف الدعوى بتقديم المذكرات ودعوتهم للحضور في الجلسة الختامية أو إبلاغهم بقرار أو منطوق الحكم.

مواكبة التطورات

ولذلك، فإن الإجراءات المقررة بالقواعد الحالية لا تصلح لأن تقوم نموذجاً سليماً للتقاضي بحكم عدم قدرتها على مواكبة التطورات والتحديات العملية التي تتطلب نظاماً اجرائياً مرناً يواكب التطورات ويتلافى السلبيات الإدارية التي مازالت تسيطر على مشهد التقاضي.

وكل ذلك لا يمكن له أن يتحقق إلا بإصدار منظومة حديثة للتقاضي تواكب تلك التطورات وتتلافى كل التعقيدات الإدارية عبر إصدار قانون حديث لها.

وأما ما يتصل بنظام التقاضي للمحاكمات الجزائية فهو بحاجة إلى مراجعة شاملة لمنظومتي التحقيق والمحاكمة، لأن القواعد المقررة لهما حالياً منها ما يصلح للاستمرار بها، ومنها ما يتطلب استبدالها بقواعد أخرى.

ومن المسائل التي يتطلب الحال حسمها من المشرع هو الإسراع في توحيد هيئة التحقيق، ويستلزم ضم الإدارة العامة للتحقيقات مع النيابة العامة، بما ينعكس على جودة عمل جهات التحقيق، فضلاً عن تقرير قواعد للصلح والتسويات الجنائية، مما سيساهم في الحد من تحريك القضايا الجزائية التي تتم إحالتها إلى المحاكم الجزائية من خلال نظام يسمح للنيابة العامة أو جهات التحقيق بالتسوية والتفاوض مع المتهمين دون إحالة قضاياهم إلى المحاكم الجزائية بهدف اقتصاد الدعاوى، كما يتطلب قانون الإجراءات تعديلاً من حيث السماح بإعلان إجراءات المحاكمة إلكترونياً للمتهمين في القضايا وللتقرير بالاستئنافات وطعون التمييز وإمكانية عقد الجلسات عن بعد للمحكومين في القضايا الجزائية وهي مسائل تتطلب النص عليها صراحة مع توفير الضمانات عليها، ويخلو منها النظام الإجرائي للمحاكمات الجزائية.

ضعف وخلل

ويتسبب خلو النظام الإجرائي للمحاكمات الجزائية من تلك القواعد في إحداث ضعف وخلل في النظام الإجرائي المتصل بشكل التحقيق والمحكامات وتنفيذ الأحكام الجزائية لاسيما في ظل الارتفاع الكبير بأعداد القضايا الجزائية وقلة العناصر القضائية المتولية لعميلة الفصل فيها، وهو ما يستدعي مراجعة هذا النظام وما يتصل به من منظومتي التحقيق والمحاكمة، وما يرتبط بهما من إجراءات للوصول إلى تحقيق المحاكمة العادلة للمتهمين ومثل ذلك النظام الإجرائي للمحاكمات الجزائية بحاجة إلى تعديلات تشريعية تبدأ من توحيد الدعوى العمومية للقضايا الجزائية إلى إقرار نظام التسويات في القضايا الجنائية وإدخال الإعلان الإلكتروني في المحاكمات الجزائية وعقد الجلسات إلكترونياً مع التوسع في إقرار الضمانات القانونية للمتهمين في مرحلتي التحقيق والمحاكمة.

● حسين العبدالله