في البداية أؤكد للقلة الصابرة والمتابعة لكتاباتي المتواضعة طوال هذه السنوات، أنني لم أتابع في السنوات الأخيرة إلا مسلسلا أجنبيا بعنوان «اللائحة السوداء» للممثل العبقري جيمس سبايدر، وأقر وأعترف وأنا بكامل قواي العقلية أنني من الجيل القديم، وما زالت مسلسلات كـ«درب الزلق» و«الأقدار» تعلق في ذهني، وأحب أن أطمئن الجميع أن مسلسلات الزمن الأخير لا تعني لي شيئاً.

لكن لفت نظري ردة الفعل المبالغ فيها لمقطع في مسلسل يعرض على شاشة إحدى القنوات العربية، لدرجة أن ثلاث عشرة جمعية نفع عام ومئات المغردين اعترضوا وكتبوا، وأعضاء مجلس الأمة هددوا وزير الإعلام بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يوقف المسلسل، ويعلّق ممثليه في ساحة الصفاة.

Ad

أولاً، نحن في مجتمع جزء منه يطالب بإيقاف المسلسل هم من أصحاب الشهادات المزورة، والبعض الآخر يبصم وما يداوم ويروح البيت وما تشوفه إلا آخر الدوام علشان يبصم خروج، ونحن في مجتمع يقبل فيه ممن يدعون أنفسهم رجال دين مزرعة من سياسي فاسد لكي يقفوا معه في الانتخابات، نحن في مجتمع يتشمت فيه البعض بمنتحر لمجرد أنه بدون، وتقوم جهات رسمية بالتفتيش في تاريخ المنتحر لكي تثبت أي تورط له في قضية مخدرات أو حتى قضية مرور لكي تلطخ سمعته وتجعل انتحاره مقبولاً، ولكي ترفع عن نفسها المسؤولية الأخلاقية.

نحن في مجتمع تمتلئ فيه قاعات المحاكم بخصومات بين الأشقاء والأقرباء على قضايا مالية قام بها أحد الأشقاء بسرقة عائلته، نحن في مجتمع يوجد فيه نصابون محترفون وقضايا نصب عقاري وستون ألف قصة وقصة.

نحن في مجتمع ينتخب فيه بعض الناخبين نواباً وهم يعلمون ألا مصداقية لهم ولا أمانة، لمجرد أنهم من طائفتهم أو قبيلتهم أو عائلتهم، نحن في مجتمع يصمت نوابه صمت أهل المقابر عمن سرق أموال التأمينات، وهرب ليستمتع بها في أجمل المدن الأوروبية.

باختصار نحن مجتمع له وعليه، فينا السيئ وفينا الطيب، ومحاولة إظهار المجتمع في مظهر العباد الناسكين الورعين ذوي الأثواب البيضاء يحتاج إعادة نظر.

المسلسل لن يقدم أو يؤخر شوية ثقة بالنفس، وإذا أردتم إظهار طيبة المجتمع فللنظر بعين الاعتبار لما يحدث للإخوة البدون، وخصوصاً في المواضيع الأساسية كالتعليم والطبابة وحق الزواج، وإذا أنتم قابلون بطرد ببنت عمرها سبع سنوات من مدرسة وغير قابلين بمشهد في مسلسل فنحن أما كارثة أخلاقية غير معقولة.

على فكرة انشغلنا بالمسلسل، بس شخبار الثلاثة آلاف اللي كان مفترض تقر للمتقاعدين، ترى الناس ناطرة؟!

فهل وصلت الرسالة؟ آمل ذلك.

قيس الأسطى