فاز الحزب الحاكم «فيدس» بثلثَي المقاعد للمرة الرابعة، وحقق ائتلاف المعارضة نتائج أسوأ مما أشارت إليه استطلاعات الرأي، حيث تركّزت معظم نجاحاته في الدوائر الانتخابية في بودابست.

كان مقلقاً أيضاً أن يصل الحزب اليميني المتطرف «وطننا» إلى البرلمان، علماً أنه انفصل عن حزب «يوبيك» منذ ثلاث سنوات، فلا مفر من أن تؤثر هذه الانتخابات على المجر وأوروبا في آن.

Ad

لكن ما الذي يفسّر هذه النتائج؟

أولاً، كان حزب «فيدس» بارعاً على نحو استثنائي في حشد الناخبين في المناطق الريفية، فحصد هذا الحزب 93% من الأصوات في أفقر منطقة شرقية. بشكل عام، يميل هؤلاء الناس إلى سماع معظم الأخبار السياسية عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة، ويعمل معظم السكان في هذه القرى الفقيرة في برامج الرعاية الاجتماعية الحكومية ويتكلون بشدة على رؤساء البلديات الداعمين لحزب «فيدس» لكسب المداخيل.

ثانياً، تثبت قوة «فيدس» الطاغية في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة حجم التراجع الذي سجّله «يوبيك» في هذه الأماكن، فتحالف هذا الحزب مع الحركات اليسارية الليبرالية وحزب «الخضر» كجزءٍ من المعارضة الموحّدة في هذه الانتخابات، لكن يبدو أن جزءاً كبيراً من ناخبيه فضّل دعم «فيدس» أو حزب «وطننا».

أخيراً، أثّرت حرب روسيا في أوكرانيا على الحملة الانتخابية بكل وضوح، فمنذ بدء الغزو في شهر فبراير، طالبت المعارضة الموحّدة أوربان بالانضمام إلى حلفائه الأوروبيين ودعم أوكرانيا بجميع الوسائل اللازمة، رغم علاقاته الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طوال سنوات، واعتبر هذا المعسكر الانتخابات خياراً بين أوروبا والشرق الاستبدادي، لكن لم يسمح أوربان لأحد بمحاصرته.

تكشف النتائج أن مئات آلاف الناخبين المترددين اقتنعوا برسالة أوربان البسيطة: هل تريدون الدم (المعارضة) أم النفط (فيدس)؟ لهذا السبب، صوّت هؤلاء للحزب الحاكم بأعداد كبيرة.

استعمل «فيدس» جميع الوسائل التي يمكن أن يلجأ إليها أي نظام استبدادي، فأنفق موارد الدولة والحزب لتمويل الحملات السياسية وإنشاء بيئة إعلامية مزوّرة حيث يسيطر الحزب الحاكم على 50% من وسائل الإعلام التجارية التي تتلقى التمويل من مصادر حكومية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الحكومية كلها. منذ عام 2010، أصبح أوربان أكثر ميلاً إلى قمع منتقديه، سواء كانوا صحافيين أو سياسيين أو أعضاءً في منظمات المجتمع المدني، ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع، ويجب أن تستعد البلديات التي تقودها أحزاب المعارضة إذاً لمواجهة عقوبات مالية قد تُجرّدها من صلاحياتها، وقد يواجه المعلّمون الذين نفذوا إضراباً منذ بضعة أسابيع، في فبراير ومارس 2022، رداً انتقامياً لأن الدولة هي التي توظّفهم جميعاً، كذلك قد تتعرض شركات الإعلام للضغوط تمهيداً لإخراجها من السوق، بما في ذلك «مجموعة سنترال ميديا» التي تتمسك حتى الآن بهامش واسع من الاستقلالية بعيداً عن الأوليغارشيين الموالين للحزب الحاكم. على صعيد آخر، تواجه المعارضة المجرية معضلة كبيرة: ماذا سيحصل بعد تكبّد كتلتها الموحّدة هذه الخسائر الفادحة؟ قد يحتاج هذا المعسكر إلى أشهر أو سنوات عدة للتعافي والإجابة عن هذا السؤال. في غضون ذلك، من المتوقع أن يتعامل شركاء المجر الأوروبيون مع نسخة أكثر عدائية من أوربان، فرغم زيادة عزلة البلد داخل الاتحاد الأوروبي ومجموعة «فيشغراد»، لن يتردد الرئيس المجري في المطالبة بحصته من التحويلات والقرارات المالية.

في الوقت نفسه، قد يتابع أوربان بناء تحالف من الأحزاب اليمينية في أوروبا، فهو يأمل أن يعود مناصرو دونالد ترامب الجمهوريون إلى السلطة قريباً ويزيدوا قوته من الجانب الآخر من الأطلسي، وقد تتضح نتائج هذه الجهود خلال أسابيع قليلة، حين يستضيف حزب «فيدس» «مؤتمر العمل السياسي الأميركي المحافظ»، وهو الأول من نوعه في أوروبا، مما يعني وصول الناشطين اليمينيين المتطرفين منه إلى بودابست.

لا مفر من أن تستمر التجربة غير الليبرالية في المجر إذاً، وقد تتخذ اللغة السياسية المستعملة منحىً أكثر تطرفاً، وتصبح الانقسامات وسط النخبة الحاكمة سامة بدرجة إضافية، ويتخذ توزيع موارد الدولة طابعاً انتقائياً مضاعفاً، حتى أن المؤسسات الديموقراطية لن تنجو من التخريب، وأمام هذا الوضع، يجب أن يتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً حاسماً: هل هو مستعد لتقبّل دولة استبدادية بين أعضائه؟

* سوزانا زيليني

Carnegie Europe