أكد المتحدثون في الندوة، التي نظمتها رابطة أعضاء ‏هيئة التدريس للكليات التطبيقية بعنوان "مؤسسة التأمينات الاجتماعية‏ بين العجز الاكتواري والأرباح التاريخية"، ضرورة دعم المتقاعدين، لكنهم اختلفوا حول الآليات التي تنظم هذا الدعم، وركزوا على وجوب معالجة المرض لا أعراضه، ومعالجة السبب لا النتيجة، مشيرين إلى أن نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت يحتاج إلى مراجعة لتحقيق عنصر العدالة رغم أنه نظام سخي وشامل ومرن.

بداية، قال ‏رئيس قسم ‏التأمين ‏والبنوك بكليات ‏الدراسات التجارية د. فهد بن عيد، إن مفهوم التأمين يختلف بحسب وجهة نظر المتلقي، ومن الممكن أن يكون عملية بمقتضاها يتولى المُؤمن تنظيم التعاون بين عدد من المُؤمن عليهم يتعرضون لمخاطر معينة، ويقوم بتعويض من يتحقق الخطر بالنسبة له من بينهم بفضل الرصيد المشترك للأقساط التي يجمعها منهم.

Ad

ولفت بن عيد إلى إمكانية استبدال الخسارة الكبيرة المحتملة بخسارة صغيرة مؤكدة (تأمينات الممتلكات)، لكن من الناحية الاجتماعية والسلوكية يعتبر التأمين نظاما اجتماعيا تكافليا يهدف إلى تعاون الأشخاص المعرضين لخطر عام في مواجهة آثاره السلبية، عن طريق إنشاء مؤسسة أو هيئة أو شركة لإدارة هذه المخاطر وفقا للطرق الإحصائية والاكتوارية في حساب الأقساط أو الاشتراكات اللازمة لتحقيق المنافع التأمينية المراد تحقيقها (سواء كانت مبالغ تأمين أو مبالغ تعويض).

وأضاف بن عيد أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تهدف إلى تحقيق الضمان والأمن الاجتماعي لأفراد المجتمع عند تعرضهم لأخطار انقطاع الدخل عند خروجهم من العمل وبدون إرادتهم، سواء كان ذلك مؤقتاً أو دائماً مثل خطر المرض والعجز والشيخوخة والبطالة.

وأكد أنه لابد من الإشارة إلى ان التأمينات الاجتماعية هي من التأمينات الاجبارية، أي يخضع لها جميع العاملين والموظفين حتى تستطيع أن تحقق الأهداف المرجوة منها، بضمان العدد الأكبر من المشتركين حتى يمكن أن تحسب الاشتراكات بشكل أدق- وكذلك لأن نظام التأمينات الاجتماعية نجح في تحقيق الحد المناسب من الحماية الاقتصادية للأفراد الذين أجبروا على ترك العمل وانقطع عنهم الدخل لأسباب صحية أو عمرية.

التجارية والاجتماعية

‏وأشار إلى ضرورة معرفة الفرق بين التأمينات التجارية والاجتماعية، ‏لأن الأولى توزع أرباحا استثمارية على ‏حملة الوثائق، بينما الثانية ‏لا تهدف إلى تحقيق الربح، بل ‏إلى تحقيق الضمان الاجتماعي، ‏وأي عوائد تحققها من استثماراتها تدخل في تمويل الصندوق، مضيفا ان هناك بعض الأنظمة الاجتماعية تنص على ‏أنه إذا تحقق ‏فائض اكتواري ‏يمكن أن تزيد المزايا ‏والمنافع للمتقاعدين، ولكنها لا توزع عليهم أرباحا ‏عند تحقيق عوائد استثمارية ‏عالية.

وفيما يتعلق ‏بآلية التأمينات الاجتماعية ‏التي تسمى أيضا بأنظمة التقاعد ‏ومكافأة التقاعد، أشار بن عيد إلى أنها ‏عبارة تجميع اشتراكات محسوبة على أساس الراتب ‏الداخل في التأمينات (‏مكوناتها وحدوده)، ‏بالإضافة إلى بعد تحقيق ‏شروط استحقاق الراتب التقاعدي (عجز/ شيخوخة) ‏‏يساوي تصرف ‏منافع التأمين ‏الاجتماعي ‏كراتب تقاعدي أو مكافأة.

‏تاريخ التأمينات

وعن تاريخ التأمينات، قال إن البداية كانت في ألمانيا في عام 1880، أي في القرن التاسع عشر، وأغلبها كانت بسبب المرض والعجز والبطالة، بعدها بدأت بريطانيا في بداية القرن العشرين بتشريع قانون التأمين الصحي الإجباري في عام 1900، ‏ثم تبعتهما الولايات المتحدة الأميركية بتشريع قانون الضمان الاجتماعي في عام 1935، مضيفا أن الفكرة بدأت بعد الثروة الصناعية الأولى ‏1880، وازدهرت بعد الثورة الصناعية الثانية ‏والحرب العالمية الثانية ‏خلال القرن العشرين ‏خصوصاً مع شيوع ‏قوانين حماية العمال ‏وازدهار نقابات العمال.

وأضاف، أما في الخليج فالبداية متقاربة، ‏إذ بدأت بالضمان الاجتماعي عن طريق إنشاء صناديق التقاعد للمدنيين والعسكريين في الخمسينيات بالقرن الماضي، وبعدها بـ 20 عاماً تقريباً أخذت أنظمة التأمينات الاجتماعية في النضوج والاستقرار.

منافع ومقارنات

‏وبالنسبة للمنافع التأمينية، أوضح بن عيد أنها إما أن تكون راتباً تقاعدياً أو مكافأة التقاعد، ‏لافتاً إلى أن شروط استحقاق المعاش تتمحور حول أمرين؛ مدة الخدمة، وسنة التقاعد، ‏وأغلب دول الخليج تصل نسبة الراتب التقاعدي فيها إلى 90 في المئة من الراتب الداخل في التأمينات وأكثر.

وذكر أن المقارنة بين أنظمة التأمينات الاجتماعية أحيانا تكون صعبة، لأن هذه الأنظمة هي مرآة للمجتمع ‏الذي تخدمه، ‏لذلك جاءت تسميتها "التأمينات الاجتماعية"، ‏"لكن نستطيع القول إنه كلما زادت حرية الفرد الاقتصادية ومعدلات ادخاره كانت الأنظمة الاجتماعية غير رئيسية والعكس صحيح، ‏كذلك حالة الدولة الاقتصادية والمالية لها دخل في نوع وكم المنافع التأمينية".

العجز الاكتواري

‏فيما يخص العجز الاكتواري شرح بن عيد المفهوم بأنه عبارة عن إحصائيات وجداول الحياة والإصابة المحسوبة اعتماداً على احتمالات الحياة والوفاء واحتمالات الإصابة مع تعديل هذه الإحصائيات حسب نسب الخصم /الفائدة.

وبين أن ‏الخبير الاكتواري ‏هو الموظف الذي يحسب القيمة الحالية للمنافع والحقوق التأمينية المستقبلية والقيمة الحالية للاشتراكات المتوقعة تحصيلها مستقبلاً ثم يقرر ما إذا كانت كافية تلك الاشتراكات أم لا، ‏إن كانت كافية فلا وجود للعجز الاكتواري، وإن كانت غير كافية فهناك عجز اكتواري.

وأفاد بأن تقدير الخبير الاكتواري هو تقدير موضوعي وشخصي، موضوعي أي اعتماداً على ‏جداول الحياة والوفاء والإصابة، وشخصي أي بتحديد درجة التفاؤل والتشاؤم بالنسبة لأسعار الفائدة أو أي متغيرات أخرى تؤثر على نظرته المستقبلية، ‏وفي الكويت لدينا خبير اكتواري دائماً متشائم لاستمرار العجز الاكتواري لسنوات طويلة.

وختم بن عيد "برأيي نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت سخي وشامل ومرن لكنه يحتاج إلى مراجعة لتحقيق عنصر العدالة".

رأسمالية الكويت

من جانبه، قال ‏أستاذ القانون في كلية الحقوق د. إبراهيم الحمود، إنه قبل استقلال دولة الكويت ‏صدر قانون التأمينات، ‏أي عام 1961 وفي هذه الفترة بدأت البلاد ‏تنتهج ‏الفكر التدخلي، وقبل ذلك كانت دولة رأسمالية ‏أي غير مسؤولة عن صحة الإنسان وتعليمه أو حتى سكنه، لافتا إلى أن أول مدرسة في الكويت تم إنشاؤها من القطاع الخاص، ‏كذلك أول مستشفى وهو الأمريكاني.

‏وأكمل الحمود أنه مع الفكر الاشتراكي الذي طغى العالم، ‏ومن محاسن الصدف في الكويت كان الشيخ ‏عبدالله السالم يؤمن ‏بالمواطن ‏وفي انتقال البلاد إلى الدولة المتدخلة، ‏ومن هذه اللحظة ‏بدأت الكويت في التحول من دولة رأسمالية ‏إلى صاحبة فكر اشتراكي توفر المدارس والسكن والمستشفيات، ونص الدستور على ذلك ‏تفصيلاً في البابين ‏الثاني والثالث، والسياسة العليا للدولة معناها أنها توفر الضمان الاجتماعي ‏للمواطنين.

ضرائب مستقلة

وأوضح أن التأمينات الاجتماعية تعتبر نوعاً من أنواع الضرائب ‏وتسمى الضرائب المستقلة، ‏لأن الدولة تأخذ ضريبة من الأفراد بدون مقابل، ‏والتأمينات مثلها تأخذها الدولة من الأفراد بدون مقابل ‏وهي إجبارية، ‏فالمساهمة إجبارية.

وأكد أن العجز الاكتواري هو "وهمي"، لأنه عجز بعد 50 سنة، وقد ‏أخذ المشرع ‏الكويتي تفسيراً غير صحيح من المؤسسة ‏باحتساب العجز الاكتواري (حساب مغلق) بمعنى يأخذ المشتركين الحاليين فقط لمدة 50 سنة .

ديمومة الدولة

وأشار الحمود إلى أن المتقاعد يأخذ راتبه من الموظفين الحاليين ‏ومستقبلاً يأخذ المتقاعد راتبه من الموظفين اللاحقين، ‏وهذه تقوم على فكرة التضامن الاجتماعي ‏أي ديمومة الدولة، بمعنى أن الناس متضامنون فيما بينهم، وكل يتنازل عن جزء من حريته، ‏هذه الحرية الذي يتنازل عنها ‏هي حرية الملكية.

سوق مفتوح

و‏علق على مسألة الاحتكار في سوق التأمينات الاجتماعية الحكومية، قائلاً إن من الأمور المهمة هو احتكار التأمينات ‏أي لا يوجد منافس لها، ‏والحل هو فتح سوق التأمين كما هو في كل دول العالم، نرى أن المسألة ستختلف.

وأفاد بأن قانون المؤسسة يتوقع أن يكون هناك فائض، ‏اعتماداً على المادتين (10) و(80) ففي المادة 10 فقرة 3 تنص على ‏أنه يجوز لمجلس الإدارة ‏في حالة وجود فوائض ‏أن يقرر توزيع ‏مكافآت بحسب الأغراض التي يراها، ‏والمادة 80 تقول ‏‏من حق مجلس الوزراء ‏برسوم أن ‏يمنح اشتراكات ‏والمكافآت للمتقاعدين ‏‏ولغير المتقاعدين، ‏التأمينات الاجتماعية أن تطبق ‏هذا القرار ‏مع أحكام هذا القانون.

معالجة المرض لا الأعراض

من ناحيته، قال ‏رئيس قسم الاقتصاد ‏في جريدة "الجريدة" محمد البغلي إن الاعتراض على المنحة تأخذ أكثر من شكل وأولها أن أموال التأمينات هي أموالنا (متقاعدون ومشتركون) لا أموال الدولة ولا أموال التأمينات إنما هم يديرونها لمصلحتنا، فالواجب أن نحافظ عليها وعلى استمراريتها.

وأضاف البغلي: من الواجب أن نعالج المرض لا أعراضه، وأن نتجه لمعالجة السبب لا النتيجة، ويجب أن نسأل سؤالاً على المدى الأوسط، اليوم كل المتطلبات الخاصة بمنح المتقاعدين بحاجة لأن يصرف لهم منحة، فما الأساس المالي الذي تمت فيه قراءة مبلغ 3 آلاف دينار للمتقاعدين؟ في كل دول العالم المتقاعد لا يحتاج، فلديه منزل ومعاش تقاعدي، وأبناؤه في مراحل عمرية متقدمة، لماذا في الكويت المتقاعد محتاج؟

التضخم

واقترح البغلي قائلاً "بما أن هناك وقفة كبيرة في المجتمع لمصلحة المتقاعدين فإنه يفترض أن نتجه إلى هدف أسمى وأبعد في معالجة المرض نفسه لا أعراضه. اليوم نرى الكثير من المتقاعدين يقعون تحت تأثير التضخم الذي يواجه المجتمع الكويتي، وكل سياسات معالجة التضخم في العالم قائمة على سحب الأموال من السوق عبر رفع الفائدة، بهدف توطين العملة، ليتراجع الاستهلاك ثم تنخفض الأسعار وليس ضخه".

وذكر: للتضخم في الاقتصاد الكويتي مسببات أخرى كالاحتكار، وغياب المنافسة، والاستيرادات التي تصل إلى 90 في المئة من السلع الغذائية، نقوم بضخ سيولة بالسوق، في الكويت قبل أن يحدث الحدث ترتفع الأسعار، وبعد انتهاء الحدث لا تنخفض الأسعار، وبالتالي لدينا أمراض اقتصادية نزيدها بضخ السيولة في السوق.

أرباح ليست أرباحاً

وأضاف البغلي أن الأرباح التي يتحدث عنها الجميع لصناديق التأمينات ليست أرباحا بالمعنى المتعارف عليه كصافي أرباح، إنما إرباح استثمارية ناتجة عن أداء الأسواق العالمية، والأسهم والأصول، وهي أرباح يصعب تكرارها.

وأكد أن موضوع بناء التوقعات الاستثمارية بناء على عام واحد استثنائي هذا أمر خال من الحصافة في كل المؤسسات المالية.

أسهم بدل «كاش»

أشار البغلي إلى أهمية الأسهم، وقال يجب أن يكون‏ ‏للتوزيعات عائد تنموي، أي توزيع الأسهم والحصص الاستثمارية ‏أجدى بكثير للمتقاعدين ‏من التوزيعات ‏النقدية. ‏في الكويت ‏دائما الدينار المدفوع على الأسهم ‏له عوائد مضاعفة على الدينار الكاش، على سبيل المثال ‏قبل الجائحة تم الاكتتاب في شركة شمال الزور وبورصة الكويت، ‏بشركة شمال الزور من دفع دينار واحد في نهاية 2019 ‏حقق قبل سنة على السهم الواحد 2.600 دينار، ‏أما شركة البورصة ‏فمن دفع دينارا واحدا على السهم ‏فإنه حقق خلال عامين 27 دينارا.

وختم البغلي حديثه: إن أخطر ما يواجه مسألة توزيع أموال التامينات ليس العجز الاكتواري أو إفلاس المؤسسة، بل تحويل التأمينات الاجتماعية من منظومة ضمان اجتماعي تتولى مهمة توزيع المعاشات التقاعدية، خصوصا للطبقة المتوسطة، إلى شركة خاصة تربح، تخسر، تفلس، تضارب، فالمتقاعدون حقهم أكثر من 3 آلاف، حقهم أن تتحسن جودة الحياة بجميع النواحي.

حصة المطيري