منذ أربع سنوات، بدأت وزارة الخارجية الأميركية تحقيقاً حول العملية الوحشية التي أطلقها جيش ميانمار ضد مسلمي الروهينغا خلال السنة السابقة وأسفرت حينها عن سقوط عدد كبير من القتلى، ودفعت مئات آلاف المتضررين للتوجّه إلى بنغلادش، يمتد تقرير الوزارة على آلاف الصفحات وقد انتهى بالكامل حين كان مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي، فقد اختار هذا الأخير وضع أفعال القوات المسلحة في خانة «التطهير العرقي»، وهو مصطلح وصفي لا يُحدده القانون الدولي.

اليوم، يذهب وزير الخارجية الأميركي الراهن، أنتوني بلينكن، إلى حد اعتبار الحملة التي استهدفت جماعة الروهينغا متماشية مع تعريف أفظع الجرائم، فاستعمل بلينكن مصطلحاً يناسب أحداث ميانمار برأي الناشطين في مجال حقوق الإنسان: الإبادة الجماعية.

Ad

قد لا يكون التحول الحاصل في واشنطن كبيراً بقدر التغيرات التي تشهدها ميانمار، لكنه يبقى بالغ الأهمية، فقد كان بومبيو قد تعامل بدرجة من الازدراء مع وسائل الإعلام واستاء من القصة التي نشرتها صحيفة «بوليتيكو» في عام 2018 وشملت تفاصيل نقاش دار داخل الإدارة الأميركية حول طريقة تصنيف الممارسات المرتكبة بحق جماعة الروهينغا.

بعد أيام على تداول تلك القصة، كتب بومبيو تغريدة مفادها أن الجيش نفّذ «حملة شائنة من التطهير العرقي»، وهكذا تلاشت الجهود التي بذلها المحققون المُكلّفون بتحليل ما حصل، فاتفق المعنيون على الاعتراف بحصول جرائم ضد الإنسانية، لكنّ تسريب تفاصيل ذلك النقاش زاد استياء بومبيو من هذه المسألة كلها ومن الضغوط العدائية التي يتعرّض لها من بعض أعضاء وزارة الخارجية، لذا لم يحصد هذا التصنيف تأييداً واسعاً في المرحلة اللاحقة.

في المقابل، ركّز تصريح بلينكن على الجيش بشكلٍ أساسي ولم يذكر المسؤولين والبيروقراطيين في الحكومة المدنية التي أصبحت إصلاحية فجأةً، مع أنهم كانوا قد دعموا القوات المسلحة سابقاً، لكن ذكر بلينكن أيضاً التغيرات التي أحدثها الانقلاب، فقال: «الأشخاص المستعدون لارتكاب الأعمال الوحشية ضد جماعة معينة من الناس قد ينقلبون على بعضهم بسهولة»، ثم اقتبس كلام مارتن نيمولر، القس الألماني الذي كان يعارض النازيين، وأضاف قائلاً: «ربما لم يدرك الجميع حقيقة ما يحصل قبل الانقلاب، لكنّ العنف الوحشي في المرحلة اللاحقة أوضح أن الجيش البورمي لن يتوانى عن مهاجمة الجميع، فلا أحد بمنأى عن الأعمال الوحشية في عهده». برأي بلينكن، أدرك عدد إضافي من الناس أن وضع ميانمار على طريق الديموقراطية مجدداً يبدأ بضمان حقوق جميع سكان البلد، بما في ذلك جماعة الروهينغا.

على صعيد آخر، أشاد بلينكن بالجهود الدولية الرامية إلى محاسبة الجيش، بما في ذلك قضية الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، فبرأي بريا بيلاي، محامية دولية كانت قد كتبت تقارير عن هذه القضية وهي ترأس أمانة ائتلاف العدالة الآسيوية (منظمة جامعة تُركّز على المحاسبة)، كان جزء من الحجج التي استعملتها الزعيمة البورمية السابقة، أونغ سان سو تشي، أمام محكمة العدل الدولية في عام 2019 يتعلق بوجود نظام عدالة خاص بالجيش، مما يعني التعامل مع قضايا مرتكبي أي جرائم مزعومة، كتلك التي استهدفت جماعة الروهينغا، محلياً. تكلمت سو تشي أيضاً عن دستور عام 2008 (وثيقة صاغها الجيش لترسيخ سلطته السياسية، وهي تمنع سو تشي من تولي الرئاسة لذا حاولت تغييرها طوال سنوات)، فقالت إن جرائم الحرب، إذا ارتُكبِت، يجب التعامل معها عبر نظام القضاء العسكري المعمول به محلياً.

بعد محاولة استرضاء الجيش، ذهبت سو تشي أحياناً إلى حد مجاملته أو الدفاع عنه أمام العالم، لكنها تدرك اليوم حقيقته مجدداً، وهي تقبع في مكان لا يعرفه أحد، وتحصل جلسات الاستماع الخاصة بقضيتها في قاعة محكمة خاصة بعيداً عن أنظار الرأي العام، ولا يحق لمحاميها أن يتكلموا مع وسائل الإعلام، وهي تواجه تُهَماً تافهة.

الآن وقد فرض الجيش سيطرته الكاملة على الحكومة، يتراجع احتمال أن تُحقّق أي إجراءات قانونية محلية العدالة برأي بيلاي، لكن قد يُحقق القانون الدولي هذا الهدف بعد تعليقات بلينكن واستعماله عبارة «الإبادة الجماعية» أخيراً.

* تيموثي ماكلولين

The Atlantic