تنص المادة 126 من القانون رقم 38 لسنة 1980 بإصدار المرافعات المدنية ‏والتجارية على أنه «إذا أغفلت المحكمة الحكم في بعض الطلبات الموضوعية، جاز ‏لصاحب الشأن أن يعلن خصمه بالحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه، ويكون ‏ذلك خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً».‏

فمن المقرر وفق أحكام المادة 126 مرافعات، أنه إذا أغفلت المحكمة الفصل في ‏بعض الطلبات الموضوعية التي طلب إليها الفصل فيها إغفالاً كلياً عن سهو منها، بما ‏يجعلها باقية معلقة أمامها دون فصل، فإن علاج ذلك يكون برجوع من أغفل طلبه إلى ‏ذات المحكمة، حتى إن كانت المحكمة المغفلة محكمة التمييز، وذلك عن طريق إعلان ‏خصمه بالحضور أمامها خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً، لتستدرك ما فاتها ‏الفصل فيه لا الطعن في حكمها، لأن الطعن لا يقبل إلا عن الطلبات التي فصل فيها، منعاً ‏للإخلال بمبدأ التقاضي على درجتين، وهو مبدأ أساسي من مبادئ النظام القضائي متعلق ‏بالنظام العام لا تجوز مخالفته. أما إذا كان المستفاد من أسباب الحكم أو منطوقه أنها ‏قضت صراحة أو ضمناً برفض الطلب، فإن وسيلة التظلم من ذلك تكون بالطعن في الحكم ‏بالطريق المناسب.‏

Ad

وإذ كان ذلك، وكان انتظار بيتوتة الحكم إذا كان المشرّع يقصد به بيتوتة الحكم ‏القاضي بالطلبات الموضوعية قد يفوت على الخصم المغفل طلبه سقوط أو تقادم حقه، ‏فحجية الأحكام مقصورة على ما فصلت فيه من طلبات، ولا تمتد إلى الطلبات المغفلة، ‏فالثابت من مساق الواقع أن انتظار مدة صيرورة الحكم باتاً قد تطول لسنوات عديدة، لاسيما إذا كانت بيتوتة الحكم تقتضي صدور حكم من محكمة التمييز إذا ما امتد الطعن ‏إليها.‏

فإن ما يقتضيه البيان أن تطبيق نص المادة 126 من قانون المرافعات قد تعارضت ‏بشأنه أحكام محكمة التمييز، نتيجة للاختلاف حول تفسير بدء تاريخ الرجوع للمحكمة ‏للفصل في الطلبات المغفلة خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً، هل هو من تاريخ ‏صدور الحكم المغفل للطلبات، أم من تاريخ الفصل البات في الطلبات المقضي بها؟

فقد أدى تعبير آخر نصّ المادة 126 مرافعات، بأن يكون رجوع من أغفلت المحكمة ‏الفصل في طلباته الموضوعية لها خلال ستة أشهر من صيرورة الحكم باتاً إلى اختلاف ‏الأحكام القضائية في تأويل هذا القيد الزمني، لعدم وضوح المراد منه لغموضه، فمن تلك ‏الأحكام من جعل ذلك القيد مانعاً يحول دون الرجوع إلى المحكمة التي أغفلت الطلبات إلا ‏بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صيرورة الحكم باتاً، فإذا تقدم صاحب الشأن قبل ذلك ‏قضي بعدم قبول طلبه. (طعن تمييز رقم 825/ 2004، تجاري، جلسة 2/ 4/ 2005، ‏مجموعة القواعد القانونية، القسم الخامس، المجلد الثامن، 2009، ص313). ‏والبعض الآخر من تلك الأحكام ذهب إلى خلافه، وجعل هذا الميعاد ظرفاً زمنياً ناقصاً يتعين ‏إجراء الإعلان خلاله كحد أقصى، بحيث يسقط الحق في مباشرته بعد انقضاء هذا الأجل. ‏‏(طعن تمييز رقم 491/ 2007، تجاري، جلسة 7/ 4/ 2009، مجلة القضاء والقانون، ‏السنة 37، الجزء الثاني، 2012، ص34).‏

وإذ كان ذلك، وكان من المقرر أن الأحكام لا تبنى إلا على اليقين لا على ما يقبل ‏الظن أو التأويل، وهو ما يتنزه عنه الحكم القضائي، فالتأويل القانوني هو مما تتفرق فيه ‏أوجه الرأي، وتختلف فيه وجهات النظر مما لا يمكن معه القطع بأي الآراء أصح أو على ‏الأقل الأرجح قبولاً، وأنه قد يحدث عن طريق التأويل استحداث حكم مغاير لم يأتِ به ‏النص.‏

وكانت الأحكام القضائية قد تناقضت بشأن تفسير تطبيق نص المادة 126 مرافعات ‏فيما يتعلق بالقيد الزمني المتطلب للرجوع إلى المحكمة التي أغفلت الفصل في الطلب، إذ ‏لم تدرك تلك الأحكام الهدف الذي يرمي إليه النص.‏

لذلك نتطلع بعين الأمل لتدخل المشرّع لإعفاء القاضي من مؤنة البحث عن القصد ‏من وراء القيد الزمني الوارد في هذا النص الإجرائي، من خلال تعديله بما يراه مناسباً ‏لإزالة ما اكتنفه من غموض أدى لما سالف بيانه من تعارض الأحكام، وفي ذلك التعديل ‏المأمول تيسير لعمل القاضي، وضمانة لحقوق المتخاصمين، مع تحديد موعد لسقوط ‏خصومة الطلب المغفل إذا لم يتخذ الإجراء خلاله.‏