حذر صندوق النقد الدولي من آثار الحرب الروسية- الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، والتي تسببت في اضطراب التدفقات التجارية والأسواق المالية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية وتكاليف الطاقة والمواد الغذائية مما قد تؤدي إلى اضطرابات شعبية عارمة تهدد اقتصادات الدول وأمنها الوطني، فالدول التي تعتمد كلياً على الاستيراد ليست بمعزل عما يجري من النزاعات الدولية المؤثرة على سلاسل التوريد وشحن البضائع والسلع، مما يحتم عليها تأمين سلعها الأساسية وخدماتها الحيوية داخلياً وتنويع مصادر دخلها وطاقتها وغذائها وعمالتها، وتوطين خبراتها ودعم منتجاتها وصناعاتها لضمان تدفق الإمدادات واستمرارية الأعمال في الدولة.

فالأمن الوطني هو تأمين الدولة من داخلها وحمايتها من التهديد الخارجي بما يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر لها أسباب التنمية وممارسة حريتها في استغلال طاقتها البشرية وثرواتها الطبيعية للوصول إلى أعلى مستويات التقدم والازدهار، فالأمن الوطني رؤيته شاملة وأبعاده متعددة، ترتكز على الأمن العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي التربوي والبيئي، أما مفهوم الأمن الوطني لدولة الكويت فيجب ألا يقتصر على توفير الحماية الأمنية والعسكرية للدولة من التهديدات الخارجية فقط، بل يفترض أن تتعداها استراتيجياً لتشمل المجتمع الداخلي بكل شرائحه وفئاته ومكوناته ومرتكزاته الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والبيئية، والثقافية.

Ad

فالمنظور الاستراتيجي للأمن كفيل بتحويل مشكلة الأمن كعملية إجرائية داخلية إلى عملية اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وعسكرية، ونفسية متكاملة، تتوقف سبل تحقيقها على أمور واستعدادات، وإدارة داخلية وخارجية مشتركة، وهذا يعني أن الحالة الأمنية المستقرة تقتضي بناء شبكة متكاملة من جميع قطاعات الدولة، وكذلك رسم العلاقات الخارجية لها بحيث يغذي بعضها بعضا، وتصب المصلحة الإيجابية لتفاعلات هذه المنظومة المركبة في مصلحة تلك القطاعات.

أما تحقيق الأمن الاقتصادي فيتم من خلال النفاد إلى الموارد الحيوية والأسواق الضرورية للحفاظ على مستويات مقبولة من الرفاهية وقوة الدولة، فالأمن والتنمية عنصران متلازمان، أي خلل في أحدهما ينعكس سلبا على الآخر، وأي استقرار أو تطور فيهما ينعكس عليهما بالإيجاب، فلا تنمية بلا أمن ولا أمن بلا تنمية، فالأمن هو المحرك الحقيقي للتنمية والداعم لها والمؤكد على استقرارها وازدهارها واستدامتها، ولهذا تحرص دول العالم على الاهتمام بالأمن واعتباره من أهم الواجبات الرسمية التي تقوم عليه الدول، وتسخر له كل الإمكانات المادية والبشرية.

لذا بات من الضروري أن ننظر إلى التحديات الاقتصادية ضمن إطار استراتيجية الدولة للأمن الوطني بحيث نضع كل الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد والمالية العامة، وفي سوق العمل والتركيبة السكانية، وفي الاحتكار وتضخم الأسعار، وفي الاعتماد على مصدر وحيد للدخل والطاقة، تحت مظلة الأمن الاقتصادي الوطني، إضافة إلى التحديات الخارجية الناتجة عن التطورات والتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تشهدها مختلف الدول ويتأثر بها الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يضع الجهات المختصة في الدولة أمام مسؤوليات وطنية تتطلب أولاً متابعة وإدراكاً لما يدور على الساحة الإقليمية والدولية من مستجدات، وثانياً تحديد الوسائل الكفيلة لمعالجة مخاطرها والحد من آثارها على المستوى المحلي، وذلك من خلال إتخاذ الخطوات التالية:

1- إنشاء بيئة رقمية تربط بين مؤسسات الأمن الوطني لتبادل المعلومات ورصد المخاطر وتقييمها بشكل سريع وآمن بهدف تقديم خيارات متعددة ومبتكرة للقياديين ومتخذي القرار.

2- تطوير دراسات الأمن الوطني والدراسات الاستراتيجية في المؤسسات الأكاديمية والبحثية، وتشكيل مجتمع الأمن الوطني (أو مركز إدارة الأزمات) المكون من القياديين، والخبراء الأكاديميين، والقادة الميدانيين، والإعلاميين، والباحثين المبتكرين، ورجال الأعمال والمبادرين، لتطوير الأفكار اللازمة لتخطيط سياسات للأمن الوطني والاقتصادي والاجتماعي.

3- إعادة تقييم آلية توزيع الحيازات الزراعية والصناعية والحرفية بما يتناسب مع خطة الدولة في تلبية احتياجات السوق المحلي من المنتجات الحرفية والزراعية لتحقيق الأمن الغذائي.

4- دعم القطاع الصناعي وتوسيع قاعدته الإنتاجية والتحويلية لتوفير المنتج المحلي بأسعار تنافسية لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

5- اتخاذ خطوات جادة وسريعة في مجال تنويع مصادر الدخل والطاقة والغذاء والمياه والعمالة وما تتطلبه هذه الخطوات من توطين للخبرات والمهارات وتمكين الكفاءات وتغيير القوانين والتشريعات.

إن أمننا الاقتصادي جزء أساسي من أمننا الوطني، ويتطلب منا الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والمالية والبشرية لزيادة قدرة الدولة على تحقيق اكتفاء ذاتي مستدام في مختلف القطاعات الإنتاجية والغذائية والخدمية.

● د. عبدالعزيز إبراهيم التركي