في الحلقة الحادية عشرة من كتابه "الكويت من الإمارة إلى الدولة"، يتطرق الرمز الوطني الراحل د. أحمد الخطيب إلى محطات مهمة، مرت بها صياغة الدستور ومناقشة مواده، والسجال الذي كان يشهده المجلس التأسيسي حول عدد كبير من بنوده، فضلاً عن الجدال حول المادة الثانية من الدستور، وكذلك الاختلاف حول عدد الأعضاء وعدد الوزراء.

وفي تلك المرحلة كانت الحكومة تعتمد على خبيرها القانوني محسن حافظ؛ مما دفع المجلس الى ترشيح خبير دستوري هو د. خليل عثمان، الذي واجهته صعوبات إدارية في الانتقال إلى الكويت، ونظراً إلى ضيق الوقت توجه عبدالعزيز حسين إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر يطلب منه تسهيل مهمة انتقال د. خليل إلى الكويت للمساعدة في إعداد الدستور ومراجعته، وقد أمر عبدالناصر أمانة سر رئاسة الجمهورية بمتابعة معاملته وتسهيل مهمة سفره بسرعة.

Ad

كذلك يتناول الخطيب في هذه الحلقة واقعة المشادة التي حدثت بين النائب خليفة الجري والشيخ جابر العلي، حيث أصر الأعضاء بعدها على ضرورة أن تقدم الحكومة، اعتذاراً، وإلا فإن أغلبية الأعضاء سيقدمون استقالتهم، وتدخل الشيخ عبدالله السالم وأمر رئيس الحكومة بتقديم اعتذار عما تلفظ به الشيخ جابر العلي، وفيما يلي التفاصيل:

عقدت لجنة الدستور جلستها الأولى بتاريخ 17/3/1962 وبحضور الخبير القانوني للحكومة محسن حافظ، الذي طلب إليه أن يضع مسودة للدستور تتم مناقشاتها بعد أن يتم الاتفاق على طبيعة نظام الحكم هل هو رئاسي أو برلماني.

وفي الجلسة الثانية أبدى الخبير رأيه بأن يكون نظام الحكم برلمانياً لا رئاسياً، لأن طبيعة النظام ملكي وراثي وبالتالي لا يجوز أن يرأس الأمير الوزارة فيعرض نفسه للنقد والمحاسبة داخل المجلس وربما لنزع الثقة. ولاقى هذا الاقتراح معارضة شديدة من الشيخ سعد العبدالله، إلا أنه تراجع لاحقاً عن ذلك، وجرى جدل طويل ومرير حول الوزارة، ولما اقترح بأن يكون نصف الوزارة من مجلس الأمة أكد سعد العبدالله رفضه لذلك مكرراً قوله إن هذا الاقتراح يقصد منه منع أعضاء الأسرة الحاكمة من دخول الوزارة، وأيده في ذلك القانوني محسن حافظ وهدد الشيخ سعد العبدالله بالانسحاب من اللجنة إن أصرت على ذلك، وكان موقفاًًً غريباًً فالأمير هو الذي يعين رئيس الوزراء ورئيس الوزارة يعرض الوزارة على الأمير ونصف الأعضاء من خارج المجلس ويمكن أن يكونوا كلهم من الشيوخ، ومع ذلك يرى سعد العبدالله أن هذا الاقتراح ضد آل الصباح ويهدد بالانسحاب. والحقيقة أن ذلك نابع من المفهوم السائد قبل وضع الدستور عند أسرة الصباح بأنهم وحدهم فقط من يجب أن يكون في الحكم، فأول وزارة شكلت مع المجلس التأسيسي كان فيها 11 وزيراً من الصباح وثلاثة فقط من غير الأسرة، ولعله كان يبدي استياءه من وجود حتى ثلاثة من غير الصباح! ويريد أن يكون جميع الوزراء من الأسرة.

وعند بحث عدد أعضاء المجلس وعدد الوزراء، كانت هناك اقتراحات بزيادة عدد أعضاء المجلس في ضوء تجربة المجلس التأسيسي، إذ كان من الصعب إيجاد عدد كاف من الأعضاء للجان المجلس المطلوبة، مما عرقل أعمال المجلس. فاقترح البعض أن يزاد الأعضاء إلى 50 أو 60 عضواًً، إلا أن الشيخ سعد العبدالله اقترح أن يكون أعضاء المجلس 40 عضواًً فقط، ويكون عدد الوزراء عشرين وزيراً معيناً. ومع ذلك فقد أقرت اللجنة بأن يكون العدد خمسين عضواً وألا يتعدى عدد الوزراء ثلث أعضاء المجلس بعد صراع مرير مع الشيخ سعد العبدالله.

كما وجدت اللجنة نفسها في مشكلة معه بالنسبة إلى قانون الجزاء، وإصراره على أن يكون التحقيق في جميع الجرائم جنحاً وجنايات عند الشرطة، وهي التي تحوّل القضايا التي تختارها إلى النيابة العامة. وتشبث برأيه إلى النهاية متهماً أعضاء اللجنة بأنهم لا يثقون بأجهزة الأمن، مع أن طرحه يوحي بأنه لا يثق بالنيابة العامة وحياديتها! وأنه يريد أن يكون القرار له هو كونه وزيراً لكل قوى الأمن.

اعتراض الشيخ سعد العبدالله على تسليم السلطة القضائية أمور التحقيق في الجرائم المختلفة وحدها في أجهزة الأمن تنبع من العقلية الاستبدادية السائدة في المنطقة التي تعتمد على أجهزة الأمن القمعية للبقاء في السلطة، فهي لا تثق بشعوبها لأنها ليست منبثقة من إرادة شعبية فالحاكم يصل إلى السلطة إما بالوراثة أو بالدبابة ويكون همه الأول والأخير هو كيف يحتفظ بالسلطة. ولأن الشيخ سعد العبدالله كان مسؤولاً عن الأمن منذ الخمسينيات فقد تشرب بثقافة أجهزة المخابرات التي تسعى إلى تعزيز موقعها بإقناع المسؤولين - إن كانوا بحاجة إلى إقناع - بأنها وحدها هي المخلصة للنظام وهي وحدها القادرة على حمايته.

وبالطبع جهاز هذه مهمته لا بد أن تكون أعظم عناصره القيادية مشكوكاً في إخلاصها لبلدها، لذلك عندما نحّي فهد الفهد عن المسؤولية في جهاز أمن الدولة رفض الضباط الشرفاء في الداخلية تولي مسؤولية هذا الجهاز حفاظاً على سمعتهم وسمعة عائلاتهم.

وعند مناقشة موضوع طرح الثقة بالوزير اقترح سعد العبدالله أن يكون ذلك بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بمن فيهم الوزراء جميعاً ولم يتراجع عن موقفه، إلا أن اللجنة أقرت أن ذلك يكون بنصف أعضاء المجلس المنتخبين دون أن يحق للوزراء التصويت.

أما مسألة توارث الإمارة فاقترح أن يترك ذلك لرأي الأمير، وعندما أخفق بإقناع الأمير دار النقاش حولها واقترح سعد العبدالله أن يكون ذلك بأمر أميري دون مشاورة أحد ولا يعرض على المجلس للموافقة، وأصر على هذا الرأي حتى آخر جلسة للجنة، إلا أن المجلس أقر المادة المذكورة في الدستور وترك التفصيلات لقانون توارث الإمارة وأعطت اللجنة هذا القانون قوة الدستور.

أما إعلان الأحكام العرفية وإعلان الحرب فأصر سعد العبدالله على رأيه بأن ذلك من اختصاص الأمير والمجلس لا شأن له بذلك.

لقد خلق الشيخ سعد العبدالله جواً متوتراً في لجنة الدستور، وساعده في ذلك الخبير الدستوري محسن حافظ. ففي الجلسات التي يغيب فيها سعد العبدالله تمشي الأمور بيسر، ولكنه عندما يعود إلى اللجنة يطلب إعادة النظر في كل ما اتفق عليه، ويخلق المتاعب لأعضاء اللجنة. كما لوحظ أنه أحياناً يطلب الفرصة لمراجعة «إخوانه» أي بقية الشيوخ قبل إبداء رأيه، وفي بعض الأمور الحساسة يطلب إعطاءه فرصة لمراجعة الأمير.

وفي المقابل كان أعضاء اللجنة يطلبون من رئيس المجلس التأسيسي مقابلة الأمير للتغلب على المشكلات التي يثيرها سعد العبدالله، وكان عبدالله السالم دائماً ما يقوم بالدور الإيجابي لتذليل الصعاب أمام اللجنة.

كذلك كان للدكتور خليل عثمان الخبير الدستوري للمجلس دور مؤثر في مناقشات لجنة الدستور عندما باشر عمله، وحضر لأول مرة في اللجنة في الجلسة الخامسة لها بتاريخ 21/4/1962 نظراً إلى أنه ضليع في القانون ومتخصّص في الموضوعات الدستورية، وهو ما أعطاه الحجة في كبح جماح كل من الشيخ سعد العبدالله ومحسن حافظ وتفنيد الحجج التي يثيرها محسن حافظ.

والحقيقة أننا وجدنا أمام هذه الصعوبات التي تعانيها لجنة الدستور أن ننسق فيما بيننا نحن الثلاثة، أنا ويعقوب الحميضي وسليمان الحداد من ناحية، ورئيس المجلس والوزراء الثلاثة لنتفق على رأي واحد بقدر الإمكان، وكنا نجتمع في بيت محمد النصف في الشامية للتنسيق فيما بيننا قدر المستطاع.

لا بد من الإشادة هنا بالدور المميز لأعضاء لجنة الدستور وخصوصاً بدور حمود الزيد الخالد ويعقوب يوسف الحميضي، فلهم كلهم عظيم التقدير على تصديهم لمحاولات الشيخ سعد العبدالله ومحسن حافظ لتفريغ الدستور من محتواه.

لقد دار نقاش جدي ومهم في لجنة الدستور عندما تساءل رئيس المجلس عبداللطيف ثنيان الغانم عن مسؤولية رئيس الوزراء، ملاحظاً أن مشروع الدستور المقدم للجنة يمنح حصانة غير مسوغة لرئيس مجلس الوزراء. فقال موجهاً كلامه إلى محسن حافظ: «أنا أقول إذا كان الوزراء كل منهم مسؤول عن التفصيلات في وزارته فإن السياسة العامة للحكومة وهي الأهم مسؤول عنها رئيس مجلس الوزراء». وتدخّل وزير العدل حمود الزيد الخالد قائلاً: «مثلاً لو أخذنا السياسة الخارجية، من المسؤول عنها رئيس الوزراء أو وزير الخارجية؟». فأوضح د. عثمان خليل بأن رئيس الوزراء يتحمل المسؤولية، إلا أن محاسبته تختلف، فقرار عدم الثقة يذهب إلى الأمير في المرحلة الأولى، فإما أن يقيله أو يحل المجلس. ولعل هذا لم يعجب وزير العدل إذ وجه كلامه إلى كل من د.عثمان خليل ومحسن حافظ قائلاً: «أريد أن ألفت نظركما إلى موضوع مهم جداً، فبالنسبة إلى المواطنين هنا في الكويت أو في جميع البلاد العربية يعتبرونكم أنتم واضعي الدستور ويعتبرونكم ويعتبرون الدولة التي تمثلونها قدوة لهم لأن شعبكم وحكومتكم تمثل القيادة في البلاد العربية. والذي يحدث أنه عند ظهور دستورنا على يدكم أنهم لن يحاسبونا نحن على الثغرات الموجودة في هذا الدستور وإنما سيقولون د. عثمان هو السبب والجمهورية العربية المتحدة هي السبب. أنتم بمركزكم تتحملون المسؤولية الكبرى في الموضوع» .

رد الخبيران بأن مهمتهما تقنية فنية فقط، أما الرأي السياسي فأنتم من تقررونه. ورد وزير العدل قائلاً: «إننا يجب أن نضع دستوراً مثالياً لبلدنا ويجب أن يساير هذا الدستور أوضاعنا ولا يتناقض في الوقت نفسه مع الأنظمة الحديثة في العالم. إننا يجب أن نقر الواقع الحالي بحذافيره لأن الواقع يتطور كذلك يجب أن لا نقف في وجه التطور».

الخبير الدستوري د. عثمان خليل عثمان

كان واضحاً لدينا في لجنة الدستور أن المستشار الحكومي محسن حافظ هو عامل تأزيم وعرقلة لعملنا، فهو موظف عند الحكومة ويحاول أن يبرهن للشيخ سعد العبدالله عن إخلاصه للحكومة على حساب المصلحة العامة. فكان لا بد من أن يكون للمجلس مستشاره القانوني الخاص. فطلب رئيس المجلس عبداللطيف ثنيان من الأمين العام للمجلس علي الرضوان كونه قانونياً ودرس في الجامعات المصرية أن يرشح له شخصاً مشهوراً في هذا المجال، فاقترح الدكتور عثمان خليل عثمان فطلب منه السفر إلى القاهرة وإحضاره. كان عبدالعزيز حسين سفيراً للكويت هناك، فشرح علي الرضوان له أهمية وجود خبير دستوري مثل د.عثمان خليل عثمان للمساعدة في وضع دستور يمثل طموحات الشعب الكويتي، فما كان منه إلا أن اتصل به ودعاه للعشاء لبحث الموضوع، فلم يتردد في قبول العرض إلا أنه طلب مهلة بضعة أشهر حتى يستطيع أن يتمم الإجراءات المطلوبة مع الجامعة التي يعمل بها، ومعروفة طبيعة الروتين الحكومي في مصر، فقيل له إن ذلك غير مقبول لأن لجنة الدستور قد بدأت عملها وبتأخر وصوله إلى الكويت لن تستفيد اللجنة منه وعليه أن يسافر حالاً، وتعهد عبدالعزيز حسين بأن تقوم السفارة بالاهتمام بالإجراءات المطلوبة مع الحكومة المصرية.

وفي اليوم التالي طلب عبدالعزيز حسين مقابلة مستعجلة مع جمال عبدالناصر تم ترتيبها في اليوم نفسه، وشرح للرئيس جمال عبدالناصر طلبه وأهمية ذهاب د. عثمان خليل عثمان فوراً إلى الكويت، فما كان من جمال عبدالناصر إلا أن أصدر تعليماته بأن يسافر خليل عثمان فوراً إلى الكويت وتقوم أمانة رئاسة الجمهورية بإنهاء كل معاملاته. وهكذا ربحنا الخبير الدستوري د. عثمان خليل عثمان صاحب الضمير الحي والخبرة القانونية والدستورية النادرة، فكان خير نصير للجنة وضع الدستور.

اللجان البرلمانية

بدأ المجلس في اختيار لجانه وبدأها باللجنة الدستورية كما أسلفنا، ثم تم انتخاب أعضاء اللجان كما يلي:

لجنة الشؤون الاقتصادية: أحمد الفوزان، سليمان الحداد، مبارك الحساوي.

لجنة الداخلية والدفاع: أحمد الفوزان، خليفة الجري، يعقوب الحميضي.

لجنة الشؤون التشريعية: سليمان الحداد، عبدالرزاق أمان.

لجنة الثقافة والشؤون الاجتماعية: أحمد الخطيب، نايف الدبوس، محمد الوسمي.

لجنة الخارجية: أحمد الخطيب، مبارك الحساوي، عبدالرزاق أمان.

المرافق العامة: سعود العبدالرزاق، نايف الدبوس، مبارك الحساوي.

في جلسة 20/3/1962 وردت شكوى من بعض المواطنين إلى المجلس وهي أول شكوى تقدم للمجلس، فأحدثت ارتباكاً بالنسبة إلى بعض الوزراء عادّين إياها شكوى عليهم وطالبوا برفضها، وبعد نقاش مطول تمّت الموافقة على إحالتها إلى اللجنة المختصة لدراستها مما يدلل على حساسية بعض الوزراء من التدخل في شؤون وزاراتهم.

في هذه الجلسة وجدت أنها فرصة لإبراز وجه الكويت القومي فتقدمت بالاقتراح التالي:

لدي اقتراح بخصوص أحداث الجزائر، ثم تلي المشروع المقدم من قبلي الذي ينص على ما يلي:

«لقد أتت اتفاقية وقف إطلاق النار في الجزائر لتكلل النضال البطولي الذي قام به شعبنا العربي الباسل خلال السنوات السبع والنصف الماضية، هذا النضال الذي رفع رأس العرب عالياً أمام العالم كله ببطولته وتنظيمه ووعيه.

فابتهاجاً بمولد الجزائر العربية الحرة واعترافاً بفضل بطولة أبناء الجزائر على العرب كافة لرفعهم من شأن العرب، أقترح على هذا المجلس الموقر أن يرد على هذا الجميل بالموافقة على الاقتراحات التالية:

1 - إرسال برقية تهنئة باسم المجلس لحكومة الجزائر والأبطال الخمسة.

2 - اعتبار يوم الاتفاقية عيداً وطنياً والاقتراح على جامعة الدول العربية بجعل هذا اليوم عيداً للعرب جميعاً.

3 - إرسال وفد رسمي وشعبي لتهنئة الحكومة الجزائرية بالاتفاقية والإفراج عن الزعيم أحمد بن بللا ورفاقه الأبطال ودعوتهم لزيارة الكويت.

4 - التبرع السخي للجزائر كي تبني اقتصادها الذي أرهقته سنوات النضال الطويلة، ولكي تتمكن من إعادة تسكين المليون لاجئ جزائري الموجودين في تونس ومراكش.

5 - إعطـاء الجزائـر الأولوية في الاستفادة من مشروع الإنماء الاقتصادي الكويتي.

6 - دعوة لجنة الجزائر إلى:

أ - إقامة مهرجان شعبي احتفالاً بهذه المناسبة القومية.

ب - القيام بحملة شعبية واسعة للتبرعات والطلب إلى الوزارات المختصة تقديم كل مساعدة تطلبها هذه اللجنة المحترمة لتقوم بواجبها المقدس على أحسن وجه.

وإنني متأكد أن هذا المجلس الموقر لن يتردد عن أداء واجبه القومي نحو إخوانه أبناء الجزائر العربية المجاهدة.

وقال عبدالعزيز الصقر وزير الصحة العامة إن الفكرة قيمة ومقدرة من جميع الأعضاء وكل شخص كويتي عربي، واقترح إحالة هذا الاقتراح إلى اللجنة المختصة ودراسته من اللجنة وتنفيذ الأمور المستعجلة فيها حالاً.

وتكلم الرئيس قائلاً: ترسل برقية حالاً ويحال بقية الاقتراح إلى لجنة الاقتراحات، وقد وافق المجلس بالإجماع على ما يلي:

«وافق المجلس التأسيسي على إرسال برقية باسمه إلى المجلس الوطني الجزائري والزعماء الخمسة للثورة الجزائرية وإحالة المقترحات غير المستعجلة إلى لجنة الاقتراحات».

وفي الجلسة التالية أخطر الرئيس المجلس بأن الأمير قد تبرع بمليوني دينار كويتي للثورة الجزائرية تجاوباً مع رغبة المجلس.

كما وافق المجلس على جميع المقترحات التي قدمتها ما عدا إقامة المهرجان. لأن ذلك هو من اختصاص الأحزاب السياسية والهيئات الشعبية.

وفي هذه الجلسة بدأنا مع بعض النواب بإثارة مشكلات الناس المطالبة بتحسين الخدمات، مثل الكهرباء والماء والطرق وبناء بيوت لذوي الدخل المحدود.

المنطقة الحرة

وبتاريخ 28/3/1962 وجّه النائب أحمد الفوزان السؤال التالي إلى سعادة وزير الجمارك والموانئ يقول فيه: «إنه سبق أن أقر مشروع إنشاء ميناء حرّ في الكويت، ويتردد الآن كثيراً على ألسنة المواطنين عن سبب إهمال هذا المشروع الحيوي. لذلك أتقدم لسعادة الوزير للاستيضاح عن الأسباب التي أدت إلى تأخير المشروع؟ وهل في الإمكان التعجيل به؟». وهنا رد الوزير المختص بالجواب التالي:

رد وزير الجمارك والموانئ على سؤال للنائب الفوزان

حضرة صاحب السعادة رئيس المجلس التأسيسي الموقر،

تحية واحتراماً وبعد،

بالإشارة إلى كتاب سعادتكم المرقم 149 بتاريخ 28/3/1962 والمحال بطيه إلينا سؤال العضو المحترم السيد أحمد خالد الفوزان بشأن فكرة مشروع الميناء الحر في الكويت، نفيدكم أنه جرى درس فكرة مشروع منطقة حرة من قبل المختصين بالجمارك والموانئ بالاشتراك مع بعض أعضاء المجلس المشترك وغرفة التجارة، وقد اقرت الفكرة مبدئياً، ولكن حرص الحكومة على المصلحة العامة وعلى أن لا تأتي النتائج عكسية، فقد رأت الحكومة استقدام خبراء لدراسة المشروع دراسة فنية ومفصلة، وقد تم ذلك فعلاً، ولكن مع الأسف لم يصل تقرير الخبراء إلا في الأيام القليلة الماضية، وما يزال قيد الدرس من قبل مجلس الوزراء وغرفة التجارة.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ،

خالد عبدالله السالم الصباح وزير الجمارك والموانئ

دل تقديم هذا السؤال في بدء الحياة البرلمانية من العضو أحمد الفوزان، على الأهمية التي يوليها تجار الكويت لتوسيع القاعدة الاقتصادية وتنويعها، بدل الاعتماد الكلي على موارد النفط. ولكن النظام لم يستجب فقد تحرر من قيود الطبقة التجارية التي كان يعتمد عليها في إيراداته ويضطر لمشاركتها في قراراته، لذلك لا نستغرب رد الوزير على أن الدراسة جاهزة عام 1962، ومع ذلك يدفن المشروع لخطورته المزعومة على النظام. وحتى لمّا تم إحياء الفكرة بعد أربعة عقود ولد معوقاً لا فائدة منه. وكما يقول المثل «لما طارت الطيور بأرزاقها» ونشأت موانئ كبيرة على طول الساحل الخليجي.

ومع ذلك فإن الفرصة ما زالت مؤاتية لتنفيذ هذا المشروع المهم في الكويت فهي لا تزال تحتل موقعاً استراتيجياً في المنطقة، فهي الأقرب إلى العراق وخصوصاً الجزء الجنوبي منه ذا الكثافة السكانية العالية وأكثر مناطق العراق إهمالاً من السلطات العراقية المتعاقبة، فيكون أكثرها حاجة إلى الإعمار، وكذلك فإن الكويت أقرب بكثير إلى إيران من موانئ الخليج الثانية وإيران كذلك بحاجة إلى تنمية كبيرة وسريعة، والأمر الجديد الآخر هو دول وسط آسيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي فهي الأخرى بأمس الحاجة إلى التنمية وعندها الإمكانات المادية والبشرية كذلك، وقد حدثني بعض المسؤولين في المنطقة الحرة بأن هذه الدول بدأت بالاتصال بهم طالبة التعاون. إذاً الإمكانات موجودة، ولكنني أشك في أن يتحمس النظام لهذا المشروع، وسيظل هذا المشروع وغيره حبراً على ورق حتى يرزق الله هذا البلد حكومة همّها تقدُّم الكويت وجلب الخير لأهلها.

ولم يسمح لرجال الصحافة بالدخول إلى المجلس إلا في جلسة 3/4/1962، وفيها اتخذ قرار بإعطاء الأعضاء الحصانة النيابية بعد التغلب على اعتراض بعض الوزراء.

جلسة 13/7/1962 كانت عامرة بإقرار كثيـر من القوانين، منها قانـون المساعدات العامة، قانون تعديل جدول الدرجـات والمرتبات، قانـون الجمعيات التعاونيـة، وبعض القوانين ذات العلاقـة الدولية مثل صنـدوق النقد الدولي، البنك الدولي للإنشاء والتعمير، مؤسسـة التنمية الدوليـة.

لقد كان للاهتمام بمشكلات المواطنين المعيشية أكبر الأثر في جلب انتباه الناس إلى أهمية المجلس، وتنمية الشعور العام بمزايا الحياة الديموقراطية، مما شجع الناس على الانخراط في العملية السياسية بشكل جيد، وصارت الكويت في مقدمة دول العالم الديمقراطية في ارتفاع نسبة التصويت في الانتخابات العامة.

في جلسة 4/9/1962 أكد بعض الوزراء من الصباح عدم استطاعتهم التكيف مع الوضع الجديد، فعندما أشار الأمين العام للمجلس بأن رد وزير الإعلام على سؤال د. أحمد الخطيب جاء متأخراً، سأل وزير الداخلية: «أريد أن أعرف هل السؤال موجه من الدكتور أحمد الخطيب بصفته نائباً لرئيس المجلس التأسيسي أم بصفته الشخصية؟ وهو سؤال يدل على عدم الدراية بصلاحيات العضو وامتعاضه من الأسئلة. فما كان مني إلا أن أجبته قائلاً: «إنني أتكلم بصفتي عضواً في المجلس التأسيسي وهذا حق من حقوقي. فهل هنالك من تعليق؟» فسكت الوزير.

ولما طلب العضو سليمان الحداد من وزير المالية أن يعطيه رقم احتياطي الدولة رفض ذلك وقال: إن عليك أن تطلب ذلك من مجلس الوزراء. لأن التفكير السائد عندهم أن أموال الدولة هي ملك خاص للأمير يتصرف بها كيف يشاء ولا يحق لأحد أن يسأل عن ذلك.

مناقشات مواد الدستور

في جلسة 11/9/1962 بدأت مناقشة الدستور بعد أن انتهت اللجنة من إعداده وتقديمه إلى المجلس، وقد بدأت النقاش بالاعتراض على الديباجة التي نصت على «ويفيء على المواطنين مزيداً كذلك من الحرية السياسية» قائلاً لدى تصفحي للدستور: لا أجد هذا المزيد من الحرية السياسية. وبعد نقاش مقتضب اتفق على تأجيل ذلك وبحثه عندما يأتي دور المادة (34) المختصة بذلك. وعندما وصلنا إلى هذه المادة دار نقاش مطول وظهرت معارضة حادة للسماح للأحزاب السياسية من قبل بعض الوزراء وكذلك النواب، إلا أنه في الأخير شرح الخبير القانوني د. عثمان خليل عثمان بأن المادة لا تنص على المنع إنما تترك ذلك للمشرع، فلا عقبة دستورية تمنع من السماح للأحزاب السياسية إذا رأى المشرع ذلك. وفي نهاية النقاش طلبت الكلام لأسجل رأيي للتاريخ في هذا الموضوع، إذ أوضحت أنها «كلمة للحق وللتاريخ يجب أن تقال فيه، وهي أن كل عمل ديمقراطي يستلزم الضمانة الكافية حتى يأتي بثمرة معينة، فيجب أن يكون في أذهان المواطنين نوعية من التفكير، والتفكير المسؤول في حل المشكلات ويجب أن يتعلق المواطن بالأهداف التي يحملها المرشح بدل أن يتعلق بالشخص نفسه، فهذا طيب وذاك ممتاز والمواطنون طيبون أيضاً. وكم من شخص توصل إلى مراكز معينة وهو غير مرتبط ببرنامج محدد ولما صار في تلك المراكز ترك الوعود التي وعد بها الشعب لانتفاء هذا الارتباط.

فالشخص لا يجب أن ينتخب فلاناً لأنه معروف لديه ولكن لكون ذلك الشخص هو الذي يحل له مشاكله ويحمل أهدافه، فهذا الأمر ضروري لحياة المواطنين، فما الأحزاب إلا تنظيم الجماهير على نحو يضمن لهم أن لا يأتي النائب لخدمة فلان وعلان من الناس فقط.

ومع الأسف الشديد فإن معظم الأحزاب في البلاد العربية لم تقم بواجبها بإخلاص، وكلها لم تسر على طريق يخدم المصلحة العامة، فيجب ألا نتأثر بالتجربة التي قدمتها بعض الأحزاب العربية فقد كانت أسوأ مثل. ونحن لو سرنا كما ساروا فلا بد أن نقع في نفس المشاكل التي وقعوا فيها، فالتنظيم الحزبي هو الطريق السليم لخلق مواطن واع.

وإني أوافق مع الجميع على عدم تشكيل أحزاب سياسية الآن، ولكن ما العمل للحياة السياسية وكيف المخرج؟ فيجب أن نضع أسس حياتنا من الآن، ولا يمكننا أن نقفز بتفكيرنا دون إيجاد التنظيم الحزبي الذي يحرك الجماهير وهذا هو رأيي».

من المناقشات المخزية التي تمت في المجلس حول موضوع التعذيب لانتزاع الاعتراف من المتهمين، ومع أننا عارضنا ذلك بشدة إلا أن المجلس أقر إجازة التعذيب وفي جلسة علنية وهي لاشك فضيحة للكويت ولسمعتها، ولكن هذا بسبب كون كثيرين من الأعضاء لا يعرفون ماذا يجري في العالم خارج حدود الكويت، إلا أن هذا القرار نقض فيما بعد لبشاعته، ولكن ذلك النقاش شجع أجهزة الأمن على ممارسة أساليب غير إنسانية في التحقيق كما اتضح فيما بعد. وبسبب عدم معرفة أعضاء المجلس لتفاصيل النقاشات التي تمّت في لجنة الدستور حول بعض المواد المهمة نوقشت مرة ثانية في المجلس مما ضيع وقت المجلس مثل النقاشات التي دارت حول المادة الثانية من الدستور التي حسمها قول وزير العدل حمود الزيد الخالد بأن المطالبين بأن تكون الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع سيلغون حكم الصباح مما جعلهم يتنازلون عن هذا المطلب الشرعي كما يقولون!

وكذلك النقاش حول عدد أعضاء مجلس الأمة وعدد الوزراء الذي بولغ فيه كثيراً، وكذلك النسبة المطلوبة لسحب الثقة من الوزير عندما اشترط الشيخ سعد العبدالله بأن يكون بثلثي أعضاء مجلس الأمة بمن فيهم الوزراء.

أما مرجعية ديوان المحاسبة فقد حظيت بنقاش مطول ومستميت لأن الحكومة أصرت أن يلحق ديوان المحاسبة بالحكومة، إلا أن المجلس رفض ذلك وجعل ديوان المحاسبة ملحقاً بمجلس الأمة، فقد صوت 14 عضواً لضرورة إلحاقه بمجلس الأمة وعارض 3 نواب وامتنع واحد. وبالطبع لم يصوت الوزراء لانهم امتنعوا عن التصويت على مواد الدستور تاركين ذلك لأعضاء المجلس المنتخبين فقط، وهو ما تم إذ صادق الأعضاء المنتخبون على الدستور بالإجماع ، ولم تكن هناك أية مقايضة في الموضوع كما ادعى البعض.

من الأمور التي سببت إحراجاً للكويت هو الاقتراح بأن يكون وكلاء الوزارات ومساعدوهم من الكويتيين بالتأسيس، والفكرة نشأت من تذمر الكويتيين من تصرفات بعض كبار الموظفين الأجانب، وبدل أن تناقش كل حالة بمفردها لينال كل مسيء للعمل جزاءه، عمم الموضوع على الجميع مما أعطى انطباعاً خاطئاً استغلته بعض الصحف اللبنانية بإيعاز من أحد الوزراء من آل الصباح الذي أرسل إليها محضراً للجلسة تم تزوير إخراجه ليصور المجلس كمجلس معاد للعرب والتوجه القومي، والغرض من ذلك هو خلق جو معاد للتجربة الديمقراطية الكويتية في الوطن العربي وأن النظام وحده هو القومي.

ولمعرفة طبيعة المشكلة لا بد من العودة إلى عام 1948، بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وقيام الحرب العربية - الإسرائيلية وتقسيم فلسطين وتدفق اللاجئين الفلسطينيين إلى الدول العربية.

وقد حرصت السلطات الإنجليزية في الكويت على مساعدة بعض الفلسطينيين الذين تعاونوا معها أثناء حكمها لفلسطين على الحصول على مواقع إدارية مهمة في الكويت، ربما مكافأة لهم لهذا التعاون أو لزرعهم في أماكن حساسة لأغراض مبهمة، وكان تصرف بعض هذه العناصر منفراً للكويتيين مما تسبب في النقمة ضدهم. وكنا ندرك أن هذا الشعور المعادي لهذه المجموعة الصغيرة قد يعمم شعبياً على بقية الفلسطينيين مما لا نقبله، فالتزام القضية الفلسطينية ودعمها هو موقف تاريخي ثابت عند الكويتيين.

لذلك كان النقاش الذي دار في المجلس بهذا الحدود، ولكن مع الأسف الشديد حاولت أطراف عدة استغلال هذا النقاش لمصالحها المختلفة.

كان تقييمي للدستور بأنه لا بأس به كخطوة أولى في المسيرة الديمقراطية على الرغم من التحفظات الكثيرة عليه، وسد الثغرات سوف يتم مع تطور العمل الديمقراطي وتطور وعي المواطن، وأصبحت الكويت قادرة على التطور السلمي دون هزات سياسية تعصف بها وربما عرضت وجودها للخطر. ومع ذلك كان عندي ملاحظات أعتقد أنها مهمة ولا بد من طرحها. فالأمانة والوفاء للكويت وأهلها وكوني ممثلاً لهم في هذا المجلس تحتم عليَّ أن أطرحها لإبراء ذمتي على الأقل دون أن أتصور أنني قادر على تحقيقها.

إن من أهم مسوغات قيام نظام ملكي دستوري ومن شروطه الضرورية هو توفير الاستقرار ومنع حدوث تقلبات خطيرة في مصير البلاد، ولكن كي يتمكن هذا النظام من القيام بواجبه ويكون صمام الأمان للمجتمع عليه أن يتصرف بشكل يجعله محل احترام وثقة عند كل المواطنين، فالحاكم هو أب للجميع، للحكومة ولمجلس الأمة كله، الموالين والمعارضين، ولا يميز بينهم. لذلك عليه أن يكون محايداً في الصراعات التي تنشأ في المجتمع وفي المجلس، فملكة بريطانيا تلقي كلمتها في افتتاح كل فصل تشريعي قائلة هذا برنامج حكومتي، وتسمي المعارضة بأنها أيضاً معارضتها المخلصة، فليس عندها خصوم سياسيون. ولكنها أيضاً ليست شخصية متفرجة بل تتابع كل الأحداث وتلتقي مع رئيس الوزراء كل أسبوع ويلخص دورها بأنها «تستمع وتنصح وتحذر» حسبما تتطلبه الظروف، وهذا الاجتماع سري ولا يصدر عنه شيء. كذلك فإنها تتلقى الشكاوى من المواطنين وتعالجها من خلال أجهزة كثيرة تحت تصرفها.

كذلك فإن أفراد الأسرة لا يتدخلون في السياسة إطلاقاً ويتجنبون أي احتكاك مع أي طرف في أي موضوع عام، حتى مشاركتهم في المؤسسات الخيرية والإنسانية تكون بوجودهم كرؤساء شرف لهذه المؤسسات ولا يتدخلون في صراعاتها الداخلية، لأن مهمتهم هي إنجاح المؤسسات لتحقيق أهدافها الاجتماعية والإنسانية وليس الانتصار لفريق على آخر.

هكذا تصبح العائلة الحاكمة ملكاً للجميع وحَكَماً يرتضي به الكل وهذا سر بقاء هذا النظام كل هذه القرون، والأنظمة التي مثله في أوروبا.

وما كنت أخشى وقوعه في الكويت إذا لم نحدد أهمية النظام الوراثي والشروط الحتمية لنجاحه نكون أجرمنا بحق هذا البلد الذي نريد له كل الخير.

فالذين استغربوا طرحي هذا الموضوع وعدّوه تأزيماً وتطاولاً على آل الصباح يدركون الآن السبب لطرحي هذا الموضوع في المجلس لخطورة الأوضاع التي وصلت إليها الكويت بسبب إهمالنا للشروط الموضوعية لضرورة نجاح الحكم الوراثي في دعم الاستقرار. ويبدو أن كلامي حول ضرورة عدم مشاركة الشيوخ في الوزارة قد استفز كلاً من الشيخ جابر العلي الصباح بالإضافة إلى سعد العبدالله. وعندما تحدث العضو خليفة طلال الجري مؤيداً موقفي تعرض لكلمات قاسية ونابية بالذات من جابر العلي. وقد قررنا أن نتخذ موقفاًً من ذلك بحكم أن التجربة في بدايتها ولا يجب أن تترك المسائل هكذا ويسمح بإهانة أي عضو وتحت أي مبرر. فقد أبلغنا الرئيس بأننا سنستقيل من المجلس إن لم يصدر اعتذار رسمي من الحكومة، ورأينا أن الإهانة موجهة إلى المجلس وليس إلى عضو بعينه. ولم تعقد الجلسة اللاحقة، وقد أمر عبدالله السالم رئيس الوزراء بالاعتذار وهكذا كان، إذ تم الاعتذار من قبل رئيس الوزراء ذاته، فكان ذلك مكسباً سياسياً مهماً، ما كان للأمور أن تستقيم من دونه.

فرؤيتنا للأسرة الحاكمة هي أن تكون الموحِّدة للصفوف، لا أن تصبح العنصر الأساسي في تفتيت البلد، فهي تحاول أن تجد لها حلفاء يضمنون لها الأغلبية في المجلس دون أن يكون لها برنامج محدد، مما دفعها على تشجيع الانقسام والصراع الطائفي والقبلي، كذلك فإن التنافس في الأسرة على المناصب أحدث صراعاً آخر في محاولة كل طرف خلق تحالفاته الخاصة خارج الأسرة.

كذلك رأينا كيف أن أبناء الأسرة بدل أن تكون مهمتهم مصلحة الأندية التي يترأسونها ويهتمون بها، صارت مهمتهم الدخول في الصراعات التي تنشأ بين الأعضاء وتعميقها، وإيجاد أحزاب سياسية لهم في هذه الأندية تساعدهم على تحقيق طموحاتهم السياسية، مما عمق الانقسامات الموجودة في هذه الأندية وجعلها تخرج عن دورها الرئيسي، كما نشاهده الآن في الأندية الرياضية، وكيف أن الكويت خسرت دورها الريادي في الرياضة. وهذا التوجه المدمر للوطن آخذ في التمدد ليطول بقية مؤسسات المجتمع المدني.

والأدهى والأمرّ أن هذا الصراع امتد إلى اقتصاد البلد والصحف ومحطات التلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام المعمقة للصراع بين أفراد الأسرة والمستقطبة لقطاعات كبيرة من الشعب، هذا ما كنت أخشى وقوعه لخطورته على بقاء الكويت.

وهذا ما دفعني إلى طرح الموضوع في المجلس التأسيسي، وبدأت بطرح مثل تاريخي حي عن اللورد الإنجليزي هاو، أثناء الحرب العالمية الثانية كان يدير إذاعة برلين الألمانية باللغة الإنجليزية لكونه نازياً. ولكونه دائماً ينتقد الحكومة الإنجليزية كان لبرنامجه شعبية في بريطانيا - فمن طبيعة كل شعـب حبه للاستماع إلى من ينقد حكومته عن حق أو باطل - ولكنه عندما تطاول على الملك لم يجد أحداً في كل بريطانيا يستمع لبرنامجه، وأخفق البرنامج لأن العائلة الحاكمـة هي لكل البريطانيين.

أما الموضوع الآخر الذي أردت أن أعرضه فكان حول المادة الرابعة التي تنص على أن الحكم في ذرية مبارك الصباح، وكان مبارك الصباح قد وصل إلى الحكم كما هو معروف بعد مقتل أخويه محمد -حاكم الكويت آنذاك- وأخيه جراح، بسبب خلاف بينهما حول قضايا مالية، فقد كان مبارك مكلفاً بحماية الكويت، وكانت تلك المهمة تتطلب منه أن يتعامل مع بعض القبائل الموجودة في بادية الكويت وجيرانها مما يستوجب أن تكون هناك ميزانية خاصة للتعامل مع بعض مشايخ هذه القبائل حسب الأعراف السائدة في مجتمعات كهذه. إلا أن الحاكم آنذاك كان يقتر على مبارك حتى وصل الأمر إلى حد أن سكرتير الحكومة كان يتصل بالتجار ويبلغهم أن الحاكم غير مستعد لدفع ديون مبارك. وحاول مبارك مع بعض الوسطاء من وجهاء الكويت إيجاد حل لتلك المشكلة من خلال حصول مبارك على حصته من ميراث العائلة المتحصل من دخل أملاكها في البصرة كي يتمكن من الإنفاق على أنشطته العامة والخاصة. ومع أن الحاكم كان قد وافق على ذلك الحل من حيث المبدأ إلا أنه وحين البحث بالتفاصيل أطيح بالاتفاق. وأمام إصرار الحاكم ومساعديه على موقفهم اضطر الوسطاء إلى إنهاء مهمتهم يائسين، وهنا أقدم مبارك وولديه جابر وسالم على التخلص من أخويه.

وهنا فإنني من حيث المبدأ لن أعطي نفسي الحق بالحكم على هذا الحدث الخطير فلست ملماً بكل تفاصيله، لكني أنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى يختلط فيها الشخصي والعام، إلا أن ملخص تلك الرؤية يستند إلى مصلحة الكويت وعائلة الصباح واستقرار الحكم في الكويت.

فمن الناحية الشخصية والأخلاقية وحتى القانونية فإنني لا أرغب في أن أكون طرفاً في هذا الموضوع، أريد فقط أن أقول بأن تأييدي لما حدث إنما يعدّ مشاركة فيه، وبالتالي فإنني لا أقبل أن أكون شريكاً أو موافقاً على قتل الإنسان. وهكذا فإن القبول بتثبيت النص الموجود في المادة الرابعة يمثل موافقة على ما تمّ، وهو أمر لايمكني قبوله.

أما من الناحية العامة فيستند إلى أن القبول بهذا الأسلوب بتغيير الحكم إنما يمثل تشجيعاً لآخرين من عائلة الصباح لتكراره، كما نراه يحدث ويتكرر في معظم دول الخليج، وهذا يجب أن يكون مرفوضاً كونه يتعارض مع الدستور الذي نظم عملية نقل السلطة ومنصب الإمارة.

لهذه الأسباب مجتمعة فقد اقترحت على لجنة التنسيق التي كانت مشكّلة كما أسلفت من رئيس المجلس التأسيسي والوزراء الكويتيين الثلاثة عبدالعزيز الصقر وحمودالزيد الخالد ومحمد النصف ونحن الثلاثة يعقوب الحميضي وسليمان الحداد وأنا، اقترحت أن نكتفي بالقول بأن يكون الحكم في عائلة الصباح فقط، خصوصاً أن الإنجليز كانوا قد ثبتوا النص الموجود بعد حصولهم على امتيازات نفطية في اتفاقية الحماية واتفاقية تأجيرهم لبندر شويخ. كان ذلك التثبيت نتاجاً لحصولهم على امتيازات لا يستحقونها.

كان واضحاً أن طرحي للموضوع بتلك الصورة مفاجئاً ورأوا فيه استفزازاً لذرية مبارك وهو ما قد يؤدي إلى إجهاض العملية الديمقراطية برمّتها، ونصحوني بنسيان الموضوع. وهنا وللأمانة التاريخية لم يكن في حسباني استفزاز أحد، بل كان حرصاً على موقف أخلاقي ومساهمة في إشاعة الاستقرار في عائلة الصباح، وأيضاً كما يتضح الآن بأن هذا التوسع سيكون في مصلحة اختيار الأصلح من مجمل عائلة الصباح وليس من فرع واحد فقط.

وعلى أية حال فقد سحبت اقتراحي لحرصي على المشروع الديمقراطي الكويتي ولم أكن في وارد قبول تسببي في إفشاله، ولربما قلت في قرارة نفسي إنه لا بد أن تنضج الظروف يوماً ما في المستقبل، ويكون هذا الاقتراح قابلاً للنقاش.