استضاف البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية قمة الاستثمار في غرب البلقان وشارك فيها قادة من ألبانيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، ومونتينيغرو، ومقدونيا الشمالية، وصربيا.

لكن رغم أهمية هذا البنك الأوروبي تبقى القمة أحياناً مجرّد مناسبة عابرة، وعلى ضوء الحرب المتواصلة في أوكرانيا وحجم الاهتمام الذي يوليه الغرب لتلك الدول، اتضحت هشاشة هذه المنطقة في الفترة الأخيرة. منطقة البلقان معروفة بعدم استقرارها، حيث تتألف البوسنة مثلاً من كيانَين مستقلَين: جمهورية صرب البوسنة ذات الأغلبية الصربية، واتحاد البوسنة والهرسك الذي يطغى عليه البوشناق والكروات، وقد نشأت حكومتها بموجب اتفاق دايتون في عام 1995 باعتباره أفضل حل كي تتقاسم الجماعات العرقية المتناحرة السلطة بعد الحرب، لكن مشاعر البغض لا تزال قائمة، ولم يتحقق تقدّم بارز منذ ذلك الحين، وفي ظل تدهور الاقتصاد، يبدو أن القاسم المشترك الوحيد بين الكروات والبوشناق والصرب المقيمين في البلد يتعلق بنزعتهم إلى الهجرة نحو غرب أوروبا، حيث يأملون عيش حياة لائقة، ويلوم الناس السياسيين على فشلهم في إرساء الاستقرار في بلدهم.

Ad

هم محقون على الأرجح لأن السياسيين نادراً ما يناقشون المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ويفضّلون إلقاء اللوم على الآخرين وتحريض قواعدهم القومية والانفصالية، فقد قررت قوة الاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك نشر قوات عسكرية إضافية بعد أسابيع قليلة على تجدّد التوتر العرقي غداة دعوة ميلوراد دوديك، عضو في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك الثلاثي، إلى استقلال جمهورية صرب البوسنة. لكنّ جمهورية صربيا ليست مصدر القلق الوحيد، فقد هددت الأحزاب السياسية الكرواتية بمقاطعة الانتخابات المرتقبة في أكتوبر المقبل، وهددت الجمعية الوطنية الكرواتية ببدء الإجراءات القانونية اللازمة لإنشاء كيانها الخاص إذا لم تتحقق شروطها.

في 22 فبراير بعدما ناقش الاتحاد الأوروبي الوضع في البوسنة، دعت كرواتيا قمة الاتحاد الأوروبي المقبلة إلى مناقشة المأزق السياسي الذي يشهده البلد، لكنّ النقاش لا يحل المشكلة، بل يستعمل خصوم الغرب هذا النوع من الاجتماعات كعذر مناسب لتبرير خطاباتهم، وحين كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يناقشون الوضع في البوسنة، اتّهم دوديك الولايات المتحدة والأوروبيين بتفضيل الأغلبية المسلمة في البوسنة بطريقة قد تزعزع استقرار البلد على المدى الطويل. لهذا السبب، تحمل الحرب في أوكرانيا أهمية كبرى في هذه المنطقة، حيث يبقى تأثير روسيا هائلاً في البلقان، وقد أدلت موسكو بتعليقات مشابهة لمواقف دوديك طوال سنوات، كذلك نشأت علاقة جيدة بين دوديك وفلاديمير بوتين، ولطالما أعلنت السفارة الروسية في سراييفو استعدادها "للردّ" إذا اتخذت البوسنة أي خطوات للانضمام إلى حلف الناتو، وفي غضون ذلك، تُعتبر روسيا أهم مستثمرة في البوسنة، ويتكل البلد على روسيا وحدها للحصول على الغاز الطبيعي، ولا ننسى طبعاً الشراكة الاستراتيجية القائمة منذ سنوات بين روسيا وجمهورية صرب البوسنة وقد شملت هذه العلاقة جميع أنواع المبادرات، بدءاً من مساعدة دوديك سياسياً وصولاً إلى تدريب قوات الأمن المحلية بانتظام، حتى أن روسيا تعهدت، في ديسمبر 2021، بدعم صرب البوسنة في صراعهم على تقاسم السلطة.

بدأ الصراع في أوكرانيا حين اعترفت روسيا باستقلال جمهوريتَين انفصاليتَين، وقد تتجدد الأزمة في البلقان إذا اعتبر دوديك الوقت مناسباً كي تعترف روسيا باستقلال جمهورية صرب البوسنة، فقد عبّر عن دعمه للغزو الروسي وأعلن استياءه من قرار البوسنة التوقيع على بيان الاتحاد الأوروبي الذي يدين تلك العملية، ربما يريد دوديك تأجيج الاضطرابات لتحقيق الفوز في الانتخابات، لكن نظراً إلى هشاشة البوسنة اقتصادياً وسياسياً، قد تتخذ التصريحات السياسية منحىً أكثر عنفاً بكثير.

● جيوبوليتيكال فيوتشرز - أنطونيا كوليباسانو