أكدت مصادر سياسية رفيعة في بغداد، أن زعيم التيار الصدري قرر كسر الجمود في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، تحت ضغوط من حلفائه في الاحزاب السنية والكردية، عبر اتصال بخصمه البارز رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، وما استدعى ذلك من خطابات تهدئة طغت على بداية الاسبوع، لتكبح ما قيل انه محاولات من حلفاء طهران لاستغلال تداعيات الازمة الاوكرانية على الاقتصاد العراقي وموجة غلاء السلع الاساسية، إذ ثارت موجة غضب واسعة عند الطبقات الفقيرة.

وذكر مصدر سني رفيع، في حديث لـ «الجريدة»، أن الصدر أبدى مرونة للحوار مع ما يعرف بالإطار التنسيقي بعد فترة من الممانعة، و»بدأ ينصت لحلفائه السنة والأكراد، الذين يخشون عواقب تصادم كبير مع حلفاء طهران».

Ad

لكن الخيارات لا تبدو واضحة حتى الآن، وتتركز على اتفاق حول تطوير حكومة اغلبية وطنية لا تقوم على أساس طائفي، ولا تتدخل طهران في مفاتيح صنع القرار الأمني والاقتصادي داخل مفاصلها، كما يعبر المصدر.

وفي هذه الاجواء وُضِعت إيران في زاوية حرجة اخرى، حسبما تقول الصالونات السياسية في بغداد، اذ ان الصدر انفتح على حلفاء طهران الرافضين لتجديد ولاية رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، طارحا ترشيح ابن عمه جعفر الصدر، الذي يشغل منذ سنوات منصب سفير العراق في لندن، ويعد خصما آخر لنهج حرس الثورة الايراني، على المستويين الفكري والسياسي.

ورغم شكوك في أن يقبل جعفر الصدر هذه المهمة، حيث سبق له أن نأى بنفسه عن أدوار تشريعية وتنفيذية عدة مرات، تقول المصادر، إن حلفاء طهران أخذوا يتقبلون الفكرة لأنه مهما عارضهم يبقى نجل آية الله محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام حسين عام 1980، بصفته مؤسس حزب الدعوة، والمعارض الكبير الذي تستمد مختلف الحركات الشيعية شرعيتها منه.

وترى الاوساط السياسية أن جعفر الصدر يمثل تكريسا للنهج الذي أرساه فريق مصطفى الكاظمي، والاخير يعتبر صديقا شخصيا له، وينتميان معا الى مدينة الكاظمية وهي الضاحية الشمالية لبغداد حيث نشأ الاثنان في ظروف متقاربة، كما ان جعفر الصدر معروف بتأييده الشديد لحركة تشرين اكتوبر الشعبية، التي سهلت تداعياتها الكبيرة وصول الكاظمي الى السلطة عام 2020.

ونشأ جعفر الصدر في اقامة جبرية في مدينة الكاظمية ببغداد بعد إعدام والده، واضطر لترك دراسة الحقوق ملتحقا بالدراسات الدينية في النجف، ثم انتقل الى ايران عام 1998 ليتم دراسته هناك ويبتعد عن مضايقات حزب البعث، لكنه جوبه بضغوط كبيرة من حرس الثورة الايراني كادت تؤدي الى اعتقاله، بوصفه مقربا من آية الله محمد الصدر، والد مقتدى الصدر، الذي يعد معارضا لولاية الفقيه ونهج مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي.

ولم تكن أوساط النظام الايراني مرتاحة لوجود جعفر الصدر في ايران طوال سنوات، لأنه من جهة أمه ينتمي كذلك لعائلة موسى الصدر، ذات النفوذ في ايران ولبنان والمعروفة بتأييدها لحركات الاصلاح الايراني ضد سلطة حرس الثورة، وعلى المستوى الفكري ايضا، عرف عن جعفر الصدر انه منفتح على افكار التجديد الديني وقارئ نهم للمفكر الايراني المنشق عبدالكريم سروش، والمفكرين العرب المنتقدين للتشدد الديني مثل علي الوردي ومحمد اركون ونصر حامد أبوزيد وغيرهم.

وسبق لجعفر الصدر أن صرح بمواقفه النقدية ازاء التشدد الديني، كما دعا عام 2010 إلى إطلاق سراح طارق عزيز وزير خارجية صدام حسين الذي كان يعاني مرضا عضالا في السجن، مبشرا بإمكانية تصالح اجتماعي عميق في العراق.

وتنظر الأوساط الاقليمية والدولية الى جعفر الصدر، بوصفه ممثلا للعائلة المؤثرة في تاريخ شيعة العراق وايران والشام، أبدى مرونة في التواصل مع مختلف الاطراف، خصوصا عبر وجوده سفيرا للعراق في لندن منذ نحو ثلاثة اعوام، كما يعرف برأيه المستقل وتأثيره على الطبقة السياسية بما في ذلك ابن عمه مقتدى الصدر زعيم التيار الفائز في انتخابات أكتوبر الماضي.

محمد البصري