هناك أزمة وعي وإشكال في الفهم، ينتج ويولد هذه الأزمة ما تطبخه مراجل الإعلام سواء المحسوب على الحكومة أو المنتمي إلى الدولة العميقة أو قوارض الارتزاق من كل لون وجنس ممن يفرزون وعياً زائفاً كالدخان الأسود الذي يُعمي البصيرة المجتمعية، ويغم الإدراك العام فيهوي بالناس في عتمة ضلال لا يبصرون معه ولا يدركون أين السبب ولا أين النتيجة، وبالتالي اختفاء المصدر المركزي للفساد والإخفاق والتراجع.

إلا أن الضياء الفاضح سطع بشكل باهر في ظل الفوارق الحادة والفاقعة التي برزت بين واقعنا وواقع بعض الدول الخليجية، وكيف أنها، وبحسب المعايير العالمية، فاقتنا بمراحل في كل المجالات تقريباً، وأشد ما يثير الغضب والحيرة ما يراه الكويتيون بعيونهم إذا ذهبوا لهذه الدول، إذ يجدون التطور الهائل والتنظيم المتقدم والحوافز القوية لجلب المستثمر، وكيف يتم تنفيذ المشاريع في بضعة أشهر أو أسابيع، وبأقل الإجراءات، في حين يجدون العقبات والعشوائية الطاردة للاستثمار ناهيكم عن غياب الرؤى والخطط والمشاريع.

Ad

كلنا سمعنا الأستاذ عدنان عبدالحسين عبدالرضا وهو يخبرنا بما جرى لمشروعه لإنشاء مطعم درب الزلق ومتحف والده الممثل الشهير عبدالحسين عبدالرضا، رحمه الله، في بوليفارد الرياض، وكيف أنه حضر للتعاقد في تاريخ 18/6 وأخذوه إلى صحراء وقالوا له هنا مشروعك وستتسلمه بتاريخ 1/10، أي بعد أربعة أشهر، يقول كنت مستغرباً، فخرجت أضحك من كلامهم، إلا أنه يقول: بعد أربعة شهور تحولت الصحراء إلى مدينة كاملة بملحقاتها ومنشآتها، ومطاعمها، وألعابها، ونوافيرها، وقد بناها الشباب السعوديون الذين لم يستنكفوا عن العمل في كل وظيفة كهربائي، لحام، رسام، صباغ، ويتساءل: لماذا لا يوجد عندنا في الكويت مثل ذلك؟ لماذا الجامعة استغرق بناؤها عندنا عشرين سنة؟!!

هذه عينة من الصدمات التي فرضها الفارق في واقع التطور والتقدم ومستوى الإنجاز والاستهدافات والرؤى التي تدير رؤوسنا بعد أن كان العكس هو الصحيح في الماضي القريب، أبواق الحكومة تلوي الحقيقة لتُلصق هذا التراجع في واقعنا بالمجلس، وربما يُنظِّر بعض فلاسفة التخلف بأننا نعاني أزمة ثقافية أو اجتماعية وهلُمَّ تنظيراً ولقلقةً فارغة.

معروف أن وظيفة المجلس التشريع والمراقبة، وقد أدمج الدستور 16 وزيراً كأعضاء في البرلمان، ووظيفة السلطة التنفيذية رسم السياسات وتنفيذها، وقد أسند لها الدستور تقديم برنامج عملها لحظة تشكيلها وتقديمه للمجلس لكي يضع ملاحظاته، فلو قدمت الحكومة برنامج عملها في صورة أهداف محددة بمعايير كمية وزمنية الى المجلس لحظة تشكيلها بعد استقطابها هذا المشروع عبر التواصل المستمر والمنظم خلال السنوات الأربع المنصرمة كما بيناه في مقالنا بتاريخ (10/12/2021 في الجريدة) وإذا قامت الحكومة بواجباتها وانخرطت في وضع الخطط والأهداف موضع التنفيذ، ملتزمة بالمُدد الزمنية والكمية، فستفوق بذلك حركة وفاعلية مجلس الأمة الذي سيراقب ويشرِّع في إطار واقع يضج بالإنجازات، ويتطلب احترافاً وقدرة على فهم المشاريع وشروط إنجازها، ولن يكون هناك مجال لغير العباقرة من الأعضاء الذين يستحقون ثقة الناس لمتابعة عمل الحكومة والحفاظ على وتائر إنجازاتها التي يلمسها الناس لمس اليد فتذوب في وهج هذا الإصلاح والإنجاز نماذج أعضاء الخدمات القبيحة الذين يعيشون كالبوم في خرائب الفعل والفساد الحكومي.

إذاً فالحكومة ثم الحكومة ثم الحكومة ثم المجلس هي من يتحمل وجود الفساد والتراجع والجمود، وهي العامل الذي إذا تغير تغير كل شيء.

ناجي الملا