فقدت الكويت قامة تاريخية خاضت رحلة طويلة من الكفاح استمرت عقودا طويلة، تاركا وراءه سيرة مميزة سمتها الإرادة والدفاع عن الدستور والعمل القومي.

ويعد الراحل الدكتور أحمد الخطيب أبرز رواد "العمل البرلماني" في الكويت وأحد كتبة الدستور الكويتي، وواحدا ممن احتلوا المركز الأول في أكثر من مجال، منها أنه كان أول طبيب كويتي يحصل على شهادة الطب البشري في تاريخ البلاد، فضلا عن كونه أحد مؤسسي حركة القوميين العرب، ورئيس لجنة أطباء امير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم، وكللت رحلة عمره التي استغرقت 95 عاما بالنجاح في شتى الجوانب التي عمل بها، وجمع في حياته بين الطب والسياسة فبرز فيهما.

Ad

الولادة والدراسة

ولد الراحل عام 1927 في منطقة الدهلة، وهو الابن الثالث لعميد الاسرة المرحوم محمد عبدالمحسن الخطيب بعد جاسم وعقاب وثلاث شقيقات، عندما بلغ السابعة بدأ دراسته في مدرسة العنجري التي كانت تنتهج طريقة الكتاتيب في التعليم، وتعلم فيها القرآن الكريم ومبادئ القراءة والحساب، وخلال الفترة من عام 1936 حتى 1938 درس في المدرسة الاحمدية والمدرسة القبلية، عاد بعدها الى المدرسة المباركية التي مكث فيها ثلاث سنوات حتى وصل الى الصف الاول عام 1942 ليتركه بعدها ويسافر إلى بيروت في بعثة لدراسة الطب بالجامعة الاميركية هناك.

المرحلة الجامعية

لم يكن المناخ السائد خلال الفترة التي التحق بها الخطيب بالجامعة الاميركية ببيروت صحيا، اذ حدثت نكبة فلسطين عام 1948 لتعلن بداية التحول الكبير لدى الراحل في دخوله معترك السياسة، وبدأت بوادر ميوله السياسية تظهر وتتبلور، وكان وجود عدد كبير من الطلبة الفلسطينيين في الجامعة عاملا مساعدا لذلك، فمع هؤلاء الطلاب عاش الخطيب وتفاعل في قضاياهم ومحنتهم، وشارك في عمليات توزيع الأطعمة والألبسة على الفلسطينيين في مخيماتهم لتخفيف معاناتهم، كما عمل على تقسيم المخصصات المالية للطلبة العرب مع الطلبة الفلسطينيين من أجل متابعة دراستهم اثر قيام البنوك الأجنبية بتجميد أموالهم فيها، ليكون هذا الأمر اعلانا بشكل أو بآخر لدخول الخطيب الحياة السياسية، ولعل الحادثة الابرز التي حدثت معه كانت في السنة الاخيرة له في الجامعة عام 1952 حيث وقعت صدامات عنيفة بين الطلبة ورجال الشرطة الذين احتجوا على تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فتم فصل الخطيب مع زميل فلسطيني له من الجامعة، وهو الامر الذي اغضب طلاب الجامعة ودفعهم لتنظيم اضراب طلابي شامل، ولأن انتشار القوميين العرب كان واسعا في لبنان، شارك ايضا طلاب المدارس في هذا الاضراب احتجاجا على قرار الفصل، وأمام هذا التيار الجارف من تظاهرات التأييد وتزايد اعمال العنف والتي صلت الى تهديد مدير الجامعة بالقتل، تدخلت الحكومة اللبنانية وألغت قرار الفصل وأعادت الخطيب وزميله لمقاعد الدراسة، وتخرج عام 1952 ونال شهادة الدكتوراه في الطب.

السيرة الذاتية
• ولد عام 1927.

• تعلم في مدارس العنجري والاحمدية والمباركية والقبلية من 1936 - 1942.

• أسس حركة القوميين العرب بمشاركة جورج حبش ووديع حداد وآخرين من 1948-1951.

• تخرج في الجامعة الاميركية ببيروت وحصل على شهادة الطب عام 1952.

• عمل بعد عودته للكويت طبيبا في المستشفى الاميري عام 1952.

• افتتح عيادة خاصة في شرق عام 1953.

• عمل على اصدار مجلة الايمان عام 1953.

• نائب رئيس المجلس التأسيسي عام 1962.

• عضو مجلس الامة في الدورات 1963 و1971 و1975 و1985 و1992.

• شارك بتأسيس عدد من الاندية مثل النادي الاهلي والنادي الثقافي القومي ولجنة الأندية الكويتية.

حركة القوميين العرب

لم يكن تأسيس حركة القوميين العرب قرارا مفاجئا بل سبقته عدة خطوات ساهمت في انشاء الحركة، ولعل نكبة احتلال فلسطين عام 1948 كانت السبب المباشر لظهورها، وكان وراء هذا القرار مجموعة من طلاب الجامعة الاميركية في بيروت وعلى رأسهم الدكتور احمد الخطيب الذي يعتبر احد المؤسسين الرئيسيين للحركة، اذ اشترك مع جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وآخرين في تأسيس حركة القوميين العرب، وذكر الراحل جورج حبش في مذكراته أن أحمد الخطيب من شدة ايمانه بالعمل القومي كان يتبرع بتسعين بالمئة من راتبه الشهري للحركة، ويحتفظ بالعشرة الباقية فقط لنفسه ولعائلته.

الطب والنشاط القومي

بعد أن انهى دراسته الجامعية، عاد في عام 1952 للكويت، وعمل في المستشفى الاميري، ليصبح بذلك أول طبيب كويتي، ولكي يستطيع التحرك بحرية في العمل السياسي، ترك العمل في المستشفى بعد عام واحد من التحاقه به، وقام بافتتاح عيادته الخاصة في "شرق" قريبا من المستشفى الاميري.

وكان للدكتور الخطيب بمساهمته في تأسيس حركة القوميين العرب ثقل واضح في الحركة القومية في الكويت بعد عودته على الرغم من انشغاله المتواصل مع المرضى المراجعين في عيادته، فلم يمنعه ذلك من الاهتمام بالقضايا العربية، وعمل رحمه الله خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي على التفاعل المباشر مع مجمل القضايا العربية، وشارك في تأسيس عدد من الاندية مثل النادي الاهلي والنادي الثقافي القومي ولجنة الأندية الكويتية، والتي كانت جميعها تعمل على نشر الفكر القومي ودعم كل ما يتعلق بشؤون الأمة العربية، ودعت لجنة الاندية الكويتية إلى تجمع شعبي في أغسطس عام 1955 لتأييد قرار تأميم قناة السويس الذي أصدره الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، وساهمت بشكل فاعل في تأييدها للثورة الجزائرية ونضال الحركة الوطنية في المغرب العربي ضد الاستعمار الفرنسي عبر دعوتها الى اضراب شامل في اكتوبر 1956 على خلفية اعتقال السلطات الفرنسية زعماء جبهة التحرير الوطني الجزائرية، كما نظمت اللجنة تجمعا شعبيا ألقى فيه الراحل الدكتور الخطيب خطابا سياسيا تأييدا لنضال الشعب الجزائري، واستطاعت جمع اكثر من ثلاثة ملايين روبية دعما للثورة الجزائرية، كما شارك رحمه الله في مؤتمر الشعب العربي بدمشق للوقوف الى جانب مصر التي تعرضت للعدوان الثلاثي عام 1956.

مجلة الإيمان

منذ مطلع الخمسينيات كان الشيخ عبدالله السالم ومعه القوميون في الحركة الوطنية الكويتية يسعون لتحقيق مطلب إعلان الاستقلال وإلغاء اتفاقية الحماية مع بريطانيا، ولما كان يتمتع به التيار القومي بالقبول الواسع في أوساط المثقفين والادباء في الكويت، فقد عمل الدكتور الخطيب على اصدار مجلة الايمان من خلال النادي الثقافي القومي في عام 1953، وعملت بشكل رئيسي مع الشيخ عبدالله السالم على انجاز مشروع استقلال الكويت، وتعد هذه المجلة من أوائل المجلات القومية في الخليج العربي، وتكونت أسرة تحريرها من احمد السقاف، واحمد الخطيب، ويوسف ابراهيم الغانم، ويوسف المشاري، ويوضح الخطيب مفهوم الايمان (اسم المجلة) بالقول: ان ايماننا العميق باستحقاق أمتنا الحياة الحرة الكريمة هو الذي دفعنا الى انشاء هذا النادي، وإصدار هذه المجلة الناطقة باسمه...".

وفي الاول من فبراير 1959 عُقد في ثانوية الشويخ مهرجان خطابي بمناسبة الذكرى الأولى للوحدة بين مصر وسورية، ووجد المتحدثون في هذا المهرجان فرصة لعرض بعض المطالب الشعبية مثل تحديث نظام الحكم وإرساء أسس الديموقراطية، وهي مطالب لم تعجب السلطة في وقتها، فقامت بسحب جوزات وتحديد اقامات بعض اعضاء الحركة الوطنية، كما قامت بإغلاق النوادي والصحف ومن بينها النادي الثقافي ومجلة الايمان، وساد البلاد جو متوتر مقيت ألقى بظلاله السوداء على مختلف نواحي الحياة حتى حصلت الكويت على استقلالها في 1961، وبدأت الخطوات بعدها نحو بناء مؤسسات الدولة ومن بينها البرلمان، وأعيد افتتاح النادي الثقافي تحت مسمى نادي الاستقلال والذي استمر على نفس النهج القومي، حتى صدر قرار الحكومة بحل النادي نتيجة لحل مجلس الأمة عام 1976.

العمل البرلماني

بعد استقلال الكويت، وجه الشيخ عبدالله السالم لبناء مؤسسات الدولة ووضع دستور للبلاد، بإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي وذلك لإقامة نظام ديموقراطي، وجرت الانتخابات في 30/12/1961 وتنافس فيها 73 مرشحا أفرزت عشرين نائبا في هذا المجلس، وعُقدت الجلسة الاولى بتاريخ 20/01/1962 وتم انتخاب عبداللطيف محمد ثنيان الغانم رئيسا للمجلس، والدكتور احمد الخطيب نائبا للرئيس بعد منافسة مع الراحل منصور المزيدي، وبدأ العمل على انجاز الدستور الذي اكتمل في 11/11/ 1962 لتبدأ بعدها الاستعدادات لإجراء أول انتخابات برلمانية لاختيار أعضاء مجلس الأمة الأول بعد ان حل المجلس التأسيسي نفسه، وخاض الدكتور الخطيب جميع الانتخابات التشريعية لمجلس الامة من الدورة الاولى عام 1963 حتى الدورة السابعة عام 1992 من الفصل التشريعي الأول حتى السابع، ففاز في خمسة منها وخسر مرتين، اذ ترشح لانتخابات مجلس الأمة عام 1963 عن الدائرة الثامنة (حولي)، وحل بالمركز الأول بعد ان حصل على 937 صوتا وفاز بالانتخابات، الا انه استقال بعد نحو عامين حيث قرر هو وسبعة من زملائه النواب تقديم استقالاتهم من المجلس بسبب تقديم الحكومة مع مجموعة من الاعضاء قوانين مقيدة للحريات مثل قانون الأندية والجمعيات، وقانون الصحافة، وقانون المختارين، وقانون الموظفين، ثم عاود الكرة وشارك في انتخابات عام 1967 عن الدائرة الثامنة أيضا وحصل على 235 صوتا لكنه خسر بسبب تزوير الانتخابات ذلك العام، ونجح في عام 1971 بالفوز بعضوية المجلس عن الدائرة الثامنة بعد ان حل بالمركز الأول بحصوله على 769 صوتا، وشارك في انتخابات عام 1975 عن نفس الدائرة وحصل على 863 صوتا وحل بالمركز الثالث ونجح بالانتخابات، وتعرض هذا المجلس لحل غير دستوري عام 1976.

ومع عودة الحياة البرلمانية بنهاية عام 1980، وبعد تغيير نظام الانتخاب الى الدوائر الخمس والعشرين، شارك رحمه الله في انتخابات عام 1981 عن الدائرة التاسعة وحصل على 386 صوتا وحل بالمركز الثالث وخسر، وكررها لنفس الدائرة في انتخابات 1985 وحصل على 754 صوتا وحل بالمركز الثاني وفاز، وتعرض هذا المجلس للحل عام 1986 وتعطلت المسيرة الديموقراطية مرة ثانية، الامر الذي ازعج القوى الوطنية والرموز السياسية على اختلاف توجهاتها والتي بادرت بإقامة مهرجانات وتجمعات «دواوين الاثنين» التي تطالب فيها بعودة الحياة البرلمانية للبلاد فيما عُرفت بدواوين الاثنين، وكان الدكتور الخطيب احد اهم الناشطين فيها، وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، شارك في انتخابات مجلس الأمة 1992 عن الدائرة التاسعة وحصل على 886 صوتا وحل بالمركز الثاني وفاز، وكانت هذه المرة الاخيرة التي يترشح فيها لمجلس الامة مبررا هذا الانسحاب من العمل النيابي بضرورة اعطاء الفرصة للشباب لإكمال مسيرة الديموقراطية، الا انه ظل حاضرا من خلال مشاركته بالندوات السياسية التي تقام بين الحين والآخر، وزيارة دواوين المواطنين لمشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، بالاضافة لتفرغه لعمله كطبيب في عيادته الخاصة.

مسيرة طويلة عاشها الراحل في حب الكويت وأهلها حتى احبوه، فكان الطبيب الذي يداوي اوجاعهم ويخفف آلامهم، وكان السياسي والبرلماني الذي حمل الكويت الى مصاف الدول الديموقرطية، لم يرض لغياب البرلمان عن المشهد السياسي، فخرج في مسيرات وشارك في تجمعات دفاعا عن الحياة الديموقراطية، وكان يرفض الانتخابات الفرعية ويرفض استغلال الحصانة الدبلوماسية، وهو من أشد المطالبين باحترام القانون وحماية الدستور، كما كان يشدد على اهمية اشراك الشباب واعطائهم الدور الاكبر لخدمة الكويت، ولم يتوقف دوره على خدمة الكويت فقط، بل تعداه الى الوطن العربي الذي شاركه همومه منذ نكبة فلسطين وحتى وقتنا الحالي، فقد شارك في تظاهرات وندوات ومهرجانات تضامنية لخدمة القضايا العربية.

رحم الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم أهله وجميع محبيه الصبر والسلوان.

و"الجريدة" التي آلمها هذا المصاب تتقدم إلى أسرة الفقيد بأحر التعازي، سائلة الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، و"إنا لله وإنا إليه راجعون".

التغريدة الأخيرة
كانت آخر تغريدات الراحل د. أحمد الخطيب، رحمه الله، على حسابه في "تويتر" 26 فبراير الماضي، وكتب فيها: "بمناسبة العيد الوطني والتحرير... لنستذكر دور الشعب الكويتي وشهداء الكويت في الحفاظ والتمسك بهذا الوطن والدستور الذي التف عليه كل الشعب لعودة الشرعية للكويت. كل عام والكويت بخير".

محمود يوسف