ما الذي يجعل البنت غير صالحة للزواج بعمر 17 ولكنها صالحة بعمر 18؟ ما الذي استجد في سنة واحدة؟

في الواقع ما يستجد هو القانون لا البنت ولا عقلها ولا جسدها ولا قدراتها الاجتماعية، بل لن يحصل في فترة السنة الزمنية معجزات تغير قدرات البنت الجسمانية والعقلية! ما يحدث أنه وبعد دخولها سن 18 تصبح مواطنة مؤهلة لتسلم رزمة جديدة من الحقوق تختلف بطبيعتها عن حقوقها في الحقبة الماضية، هذه الرزمة عبارة عن منظومة مكونة من حقوق مكتسبة لعامل العمر أولها التكليف، فبعد 18 تخرج من دائرة الطفلة القاصرة إلى المواطنة الكاملة الأهلية والتي يستطيع أن تتصرف بحرية وفقا لضوابط قانونية ونظام واضح للثواب والعقاب.

Ad

في أغلب الدول يستطيع المواطن أو المواطنة بعد سن الـ18 أن يحصل على وظيفة رسمية، وأن يستخرج بطاقة مدنية وجواز سفر بنفسه، وأن يستأجر سكنا باسمه أو يشتري عقارا بصفته، وأن يوقع على العقود ومعاملات البيع والشراء الرسمية، وهذه حقوق تؤهل الإنسان أن يملك مصيره ويمسك زمام حياته.

كما في الدول الغربية يعود الحق الرضائي للمواطن أو المواطنة بعد سن 18، أي أن الرجل والمرأة بعد هذه السن مسؤولان عن أجسادهما بشكل مطلق سواء في العلاقات الجنسية، الزواج، الإجراءات الطبية، العمليات الجراحية، الأدوية وغيرها، ولكن ما دخل كل هذا بزواج القاصرات أو بالزواج بشكل عام؟

سن الرشد هو السن الذي تحصل فيه الفتاة على مجموعة من الحقوق التي تقلل من احتمالية تعرضها للاستغلال أو الابتزاز للزواج أو الجنس أو غيره، من خلال وقف احتياجاتها الأساسية أو تقنينها أو حرمانها منها، مقابل الزواج أو الاستغلال الجنسي بأي شكل من الأشكال، فإذا كان الإنسان قادراً قانونا على الحصول على وظيفة بعد سن 18 فهو قادر على الكسب وتوفير الاحتياجات الأساسية وبالتالي تقل نسبة استخدام الحاجة للمأكل والملبس والمسكن كعنصر ضغط على هذا الإنسان للدخول في علاقة هو لا يريدها، وقس ذلك على حرية التنقل والترحال وهي واحدة من أهم الحقوق المكفولة التي يكتسبها الفرد بعد سن 18 تتمثل طبعا باستخراج جواز السفر، رخصة القيادة، شراء أو استئجار سيارة، تذكرة سفر، استئجار شقة أو شراء بيت.

المواطن أو المواطنة بعد هذه السن يستطيعان الحصول على كل ما سبق بصورة انفرادية ولا يتطلب كفيلاً أو ولياً للتمكن من تغيير سكن أو بلد، وهذا ما يعطي الفرد بعد سن الرشد اليد العليا ليتحكم بمصيره ويقرر شؤون حياته.

عكس القاصرة التي ربما تلجأ للزواج كحل للابتعاد عن عائلة معنفة، أو بيت يضرها من الناحية النفسية والجسدية، فبعد سن الرشد- في الغرب 18 وعندنا 21- هي قادرة بصورة انفرادية يكفلها القانون على ترك منزل الأسرة السامة، وعدم اعتبارها متغيبة مما يقلل نسبة اضطرارها للزواج فقط للهروب من حالة أسرية ضارة أو ظروف منزل غير صحية.

إذاً سن الرشد، أو السن القانونية عبارة عن رزمة تمكين قانونية يحصل عليها المواطن أو المواطنة تؤهله لإدارة حياته بصورة انفرادية، وبالتالي تقل نسبة إرغامه أو إجباره أو إخضاعه لميول وأهواء الآخرين (أب، أم، عم، أسرة، قبيلة، أعراف، طقوس) بما ينافي رغبتها أو مشيئتها الخاصة، بعكس الطفلة القاصرة التي ليس لها ملجأ أو مأوى أو حقوق انفرادية تنقذها من الخضوع لممارسات أهلها غير الإنسانية كالزواج دون رغبتها أو من شخص لا تريده.

ملجأ هذه الطفلة الوحيد هو الشكوى للدولة، ولكن كم نسبة الأطفال القادرين على الوصول لقنوات تسمع أصواتهم؟ وإن هربت هذه الطفلة من المنزل، فأين ستذهب؟ فهي ليست قادرة على توفير سكن أو احتياجات أساسية، كما سيكون لأهلها اليد العليا لإرجاعها ببلاغات التغيب لأنها تخضع لولايتهم كونها قاصرة، وإن استطاعت أن تصل واشتكت عليهم، فسيكون لهم اليد العليا في تكذيبها في أغلب الأحيان أو استلامها بعد كتابة تعهدات صورية هشة. لهذا نحن نطالب بتحديد سن الزواج للفتاة عند اكتمال عمر 18 لأنها فرضيا لو جرت محاولة لاستغلالها وهُددت وأجبرت على الزواج، فستكون لديها منظومة من القوانين التي تؤهلها لتعيش حياة مستقرة (عمل، سكن، أوراق ثبوتية)، بعيداً عن العائلة السامة التي تجبرها على أمر لا تريده من رجل لا ترغب فيه.

● سارة المكيمي