تسلم مجلس الأمة في عام 2019 مشروع قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية، ولم نسمع عن إقراره والبدء بالعمل فيه بالرغم من منحه صفة الاستعجال من الحكومة، وها قد دخلنا في 2022، وما زال يناقش في أروقة لجان مجلس الأمة من دون التوصل إلى اتفاق نيابي حكومي على تعديل بعض مواده مما تسبب في تأخير مشاريع المنطقة الشمالية، فهل يعد مشروع إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية ترجمة حقيقية لخطط التنمية الشاملة على أرض الواقع في حال تم تنفيذه بشكل متكامل ضمن الإطار الزمني المطلوب والميزانية المحددة؟

الإجابة عن هذا السؤال تحتم علينا إلقاء نظرة تحليلية نقدية على مكونات المشروع ومواد قانون إنشائه بهدف رصد الملاحظات وتقييم المخاطر، وكذلك للتعرف على الفرص وتقديم المقترحات والتوصيات المساهمة في نجاح المشروع، فمن بين الملاحظات والتحديات التي رصدتها في مشروع قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية:

Ad

1- أشار إلى موقع تنفيذ خطة التنمية على الأرض وهو ما كانت تفتقده خطة التنمية منذ إقرارها في 2010، ولكن هل تم تثبيت الموقع على المخطط الهيكلي للدولة؟ وهل تم وضع مخطط هيكلي داخلي متكامل للمنطقة الشمالية؟

2- أشار القانون إلى إنشاء هيئة مستقلة لإقامة مشروعات تنموية في مادته الثانية، فهل ستكون مماثلة للمناطق الحرة في هونغ كونغ، وسنغافورة، ودبي، وجزر كايمن؟ وهل ستقوم على بنية تحتية جديدة- كويت جديدة- بالتوازي مع المدن الحالية؟ وهل سيستفاد من تجربة إنشاء مدينة الأحمدي في الأربعينيات؟

3- أشار القانون في مادته الرابعة إلى أن هدف المنطقة الاقتصادية هو تحقيق تنمية شاملة مستدامة وتنوع اقتصادي وكذلك أشار إلى التنمية الاجتماعية في المادة رقم (20) فهل سيتحقق ذلك؟ وما الضمانات؟

4- أشار في المادة (7) إلى انتفاع المؤسسات حسب نظام BOT لمدد لا تتجاوز 60- 90 عاماً قابلة للتجديد.

5- أشار في المادة (19) عن استثناءات من الرقابة المسبقة لديوان المحاسبة ومن رقابة جهاز المراقبين الماليين.

6- أشار في المادتين (21- 22) إلى قواعد النزاهة والحوكمة والشفافية وإعداد التقرير السنوي عن نشاط المؤسسة.

7- أشار في المادة (23) وكذلك في المادة (29) إلى مدة تعيين الأمناء والأعضاء والرئيس التنفيذي ونوابه وهي أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وهذا يتعارض مع مبدأ ثبات الإدارة عند وضع وتنفيذ الخطط الاستراتيجية البعيدة المدى.

8- أشار في المادة (24) إلى دراسة مجلس الأمناء للتشريعات المتعلقة بالمنطقة الاقتصادية وإبداء الرأي فيها، فهل لدى المؤسسة صلاحية لإقرار تشريعات المنطقة الاقتصادية أم سيصادق عليها مجلس الأمة؟

9- أشار في المادة (28) والمادة (37) إلى الاستقلالية الإدارية من دون التقيد بقوانين الخدمة المدنية والمناقصات المركزية والجمارك، فهل سيوافق المجلس النيابي على هذه الاستثناءات؟

10- أشار في المادة (30) إلى عدم جواز تعارض المصالح لأعضاء مجلس الأمناء ومجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ونوابه وغيرهم من الموظفين من مباشرة أي نشاط تجاري أو استثماري، فهل ستتسبب هذه المادة في عدم مشاركة رجال الأعمال وأصحاب الخبرات؟

أما الفرص التي وجدتها في مشروع قانون إنشاء المنطقة الاقتصادية الشمالية، والمقترحات لإنجاحها فهي:

1- فرصة حقيقية لترجمة وتطبيق التنمية الشاملة المستدامة على أرض الواقع في فترة زمنية محددة.

2- فرصة لنقل المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية من الدور الاستشاري إلى الدور التنفيذي لخطط ومشاريع التنمية.

3- فرصة لتصحيح وتحسين الدورة المستندية وتطبيق كل التوصيات ذات التحديات والمخاطر المنخفضة والتي جاءت في الخطط والدراسات التنموية وتقارير الجهات الرقابية بما فيها التحول الآلي والرقمي.

4- فرصة لتهيئة بيئة العمل المناسبة لاستيعاب وتطبيق الابتكارات والمبادرات النفطية والصناعية والرياضية.

5- فرصة للاستفادة من الخبرات الإدارية للعاملين في القطاع الخاص كأعضاء تنفيذيين متفرغين في المؤسسة، خصوصاً في بداية تأسيس إدارة المنطقة الاقتصادية الشمالية.

6- فرصة لإنشاء مدن ذكية ومناطق سكنية وتعليمية وصناعية وحرفية ومنافذ بحرية وبرية وجوية تسهم في جذب أصحاب المشروعات والمبادرات من داخل الكويت وخارجها.

7- فرصة لجذب الخبرات والكفاءات وأصحاب الابتكارات والاختراعات وتمكينهم من المناصب القيادية والمؤثرة في المؤسسة وتوطين خبراتهم الفنية والمهنية لتهيئة البنية التحتية الرقمية لاقتصاد المعرفة.

8- فرصة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة من خلال خطة تسويقية متكاملة بمشاركة القطاع الخاص والملحق التجاري في سفارات دولة الكويت الموجودة في الدول الصناعية والمتقدمة.

9- فرصة لطرح منهجية عمل مبتكرة وغير تقليدية وواضحة المعالم والأهداف ويتم تنفيذها ضمن إطار زمني محدد للمساهمة في تحقيق ركائز التنمية المرتبطة بتنويع الاقتصاد واستقطاب رأس المال البشري الإبداعي.

10- فرصة لتطبيق وتنفيذ أنظمة رقمية متقدمة بالرقابة والتحكيم والتسوية والتعاقد والتقاضي الإلكتروني تضمن حقوق الدولة والمستثمرين وكل أطراف التعاقد بعيداً عن المخاطر القانونية والمالية والتشغيلية والائتمانية المؤثرة على التصنيفات العالمية للدولة ومؤسساتها.

هناك فرص كبيرة لكل قطاعات البلد وجميع شرائح المجتمع في هذا المشروع الحيوي الذي يتطلب تحركاً نيابياً سريعاً في مناقشته حتى يتم إقراره في أقرب جلسة، ومتابعة العمل به وتنفيذه على الأرض بدلاً من الاستسلام للدورة المستندية التشريعية الطويلة، فهل لنا أن نعرف إلى أين انتهى مشروع القانون؟ ومتى سيتم إقراره؟ وكيف سنتمكن من تحديد مستقبل منطقتنا الاقتصادية الشمالية؟

● د. عبدالعزيز إبراهيم التركي