تختزل حيثيات وتداعيات الانتفاضة الشعبية الكازاخستانية السياسات العالمية المتبعة في ترويض إرادات الشعوب، فالأيديولوجيات السياسية والاقتصادية يتوافق عليها النخب والقادة الفاسدون، تارة باسم اقتصاد السوق والعولمة وتارة بعنوان مكافحة الإرهاب والتطرف، والتحكم في ثروات الشعوب ومصايرها هاجس أنظمة حاكمة بشتى المسميات؛ سواء كانت دكتاتورية صريحة أو متسترة بمظلة الديموقراطية.

هناك اختلال عميق في أنظمة الحكم في العالم، فجدوى الإنتاج الاقتصادي وتوزيع موارد الدخل المالي والتبادلات الاقتصادية لم تعد في مصلحة الشعوب، فهي تصب في محيط مصالح الأقليات أو النخب الحاكمة، ورأسمالية الأنظمة المستبدة يسلب لبها اقتصادُ السوق وعولمة طرق التجارة والاستغلال المدمر للموارد الطبيعية وكثافة الإنتاج.

Ad

الانتفاضات الشعبية طابعها اقتصادي بحت، وبوادر التمرد الشعبي يردفها حسبة اقتصادية لما ستؤول إليه الأحوال الاقتصادية للنخب الحاكمة قبل التفكير في الاستجابة للمطالب الشعبية من حرية وعدالة ومساواة... فالمادة قبل الإنسان، والاقتصاد قبل الاجتماع، والنخب قبل الشعب، فهي معادلة مقلوبة لم تجد من يعدل كفتها بعد.

تصريح الرئيس الروسي بوتين: «لن نسمح بالثورات الملونة...»، وتصريح وزير الخارجية الصيني: «السلطات هناك قادرة على التعامل مع الأحداث بالشكل المناسب»، وتعليق وزير الخارجية الأميركي: «دعم أميركا الكامل للمؤسسات الدستورية»، بمعنى دعم نظام الحكم، ويتساوى البيان الإنكليزي والفرنسي في قلقهما الشديد والدعوة لضبط النفس، وأخيراً تصريح الأمم المتحدة بتفادي العنف وتشجيع الحوار. هذه التصريحات هزيلة ومهزلة سياسية، فهي مفتقرة إلى ما يدعو لحماية جمهور الانتفاضة الشعبية الكازاخستانية والدعوة للاستجابة لمطالبها، حتى الإعلام الدولي نأى بالتطرق للأسباب الحقيقية للانتفاضة، وهي الأسباب نفسها التي ستشعل شرارتها الانتفاضات القادمة في أرجاء أخرى، والاستغلال الطبقي والاحتكار الاقتصادي والدكتاتورية السياسية.

● حبيب السنافي