لن يطول بك الحديث عندما تناقش معظم أبناء الكويت عن سر تخلف دولتهم وتردي أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتدهور الخدمات العامة المختلفة فيها؛ التعليم والصحة وإنهاء المعاملات وتأسيس الشركات والتوثيق وغيرها، وكذلك اكتشاف تآكل البنية التحتية من الشوارع وشبكات تصريف الأمطار أو المجاري أو التلوث البيئي، وفوضى الطابع العمراني للمباني والزحمة المرورية، وتعطل الكثير من أوجه التقدم والتطور الإنساني والعمراني، أقول لن يطول بك مقام النقاش حتى يأتيك جواب واحد صاعق، وهو تعمّد هذا التدهور الناجم عن تسخير البعض لإمكانات الدولة لتحقيق مصالح شخصية لأفراد أو مجاميع تجارية أو متنفذة محدودة، أو أنه ناجم عن سوء إدارة للدولة، وكلا الجوابين وجه لحقيقة واحدة، هي الفساد الإداري والمالي.

إن بلداً مثل الكويت غنياً في وفرته المالية، وإمكاناته البشرية متفوقة ومبدعة، وإنسانه صبور ومكافح، وعدد شعبه بل حتى سكانه محدود، لديه وفرة في الأراضي والمساحات ويواجه كابوس أزمة إسكانية متراكمة منذ ٤ عقود، وخريجوه وأصحاب الشهادات العلمية الحقيقية كُثر، ويواجه أزمة تعليم عالٍ وضعفاً مريعاً في البنية التعليمية والتي تعتبر هشة ومتخلفة، أطباؤه استشاريون في كل المجالات وبأعلى المستويات ولديه ٨٣ مستوصفاً يمكن أن تتحول بقرار مسؤول ونافذ لمستشفيات مجتمعية، ويواجه أزمة في تردي الخدمات الصحية وتباعد مواعيدها وقلة كفاءتها وانعدام بنية تحتية لربطها آلياً وكأن الكويت قارة مترامية الأطراف لا بلد صغير بحجم قرية في العديد من الدول. إنه الإفشال المتعمد والتواطؤ البشع لعدم إصلاح الأحوال، وإلى جواره سوء إدارة، فإسناد المناصب القيادية والوسطى في البلد بدءاً من رئيس الوزراء ومروراً بالوزراء إلى القياديين تحكمه معايير الفساد والإفساد والمحسوبيات والواسطة وقلة الكفاءة، بل معظم من يتولى هذه المراكز القيادية من الفاشلين أو العاجزين أو الضعفاء أو الموظفين المأمورين، فلا غرو أن يكون نتاج ذلك تعمد تعطيل مصالح البلد وسوء إدارة تنتج يومياً نمطاً جديداً للفساد الإداري والمالي الذي يهدم البلد ولا يبنيه.

Ad

ما تم في مجلس الأمة في جلسة أمس بإقرار زيادة رأسمال بنك الائتمان بـ ٨٠٠ مليون دينار في جلسة واحدة، لتوفير قروض البناء لوحدات سكنية متعطلة وعددها أكثر من ٢٢ ألف قسيمة، دليل قاطع على التعمد وسوء الإدارة، وجاء الضغط السياسي البرلماني بتهديد المقاعد السياسية للوزراء وسيلة لتحريك العجلة وإنهاء هذا الملف.

ولا شك لديّ إطلاقاً أن حل كل مشاكل البلد لن يستغرق أكثر من ١٠٠ يوم لو كانت هناك رغبة، ومنع تعمد، واتُّخذ القرار ومنع سوء الإدارة، وتم تقليم أظافر الفساد السياسي والإداري والمالي بإعادة الفسدة والمتنفذين أقزاماً لأحجامهم الطبيعية، وكان القرار السياسي على مستوى السلطة حاسماً وحازماً.

فهلا رأينا السلطة تمارس مسؤولياتها وتنفذ إرادتها لمصلحة الإصلاح وإنهاء مشكلات البلد....

لن نيأس ويبقى التفاؤل وارداً.

● أ. د. محمد المقاطع