تتوجه أنظار العالم اليوم نحو الحدود الروسية الأوكرانية في حين يُهدد بوتين بغزو أوكرانيا، لكن بحر البلطيق يبقى أهم ساحة لتجسيد طموحات الكرملين العسكرية، إذ تعمد دول مجاورة مثل فنلندا والسويد إلى حشد قواتها هناك، تزامناً مع محاولة موسكو إضعاف ولاء الاتحاد الأوروبي والدول السوفياتية السابقة، وفي ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا وإقدام الكرملين على حشد الجنود على الحدود مع أوكرانيا، تستعد الدول الشمالية للأسوأ.

Ad

خطط موسكو في أوراسيا

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، أصبح البحر الذي يفصل روسيا عن الغرب أشبه بنموذج مصغّر عن العلاقات الأوروبية الواسعة، فجمع عدداً من أكثر دول العالم تطوراً إلى جانب بلدان لا تزال تتخبط للتعافي من الحُكم الشيوعي.

يحاول بوتين إضعاف هذه الوحدة تحديداً، فمن خلال تحويل روسيا إلى القوة المُهيمِنة في أوراسيا، يريد الكرملين فرض نفوذه على جيرانه والتفاوض مع أهم دول العالم انطلاقاً من مكانة مساوية للأطراف الأخرى، وينطبق ذلك تحديداً على دول البلطيق الثلاث (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)، إذ يُعتبر اتكالها على الناتو والاتحاد الأوروبي ودورها الناشط فيهما تهديداً على أمن روسيا واستقلاليتها.

تواجه السويد وفنلندا اليوم ضغوطاً متزايدة وتقعان بين دول البلطيق والغرب، لذا لا مفر من التساؤل عن المسار الذي ستختاره الدول الشمالية المجاورة إذا تحوّلت تهديدات روسيا إلى صراع مفتوح، وبما أن إستونيا ولاتفيا وليتوانيا معزولة بالكامل عن أعضاء الناتو، فقد يؤدي رد الحلف على أي حادثة في منطقة البلطيق من دون موافقة فنلندا والسويد إلى تأجيج المشاكل.

الأصوات الداعمة للناتو تعلو في الدول الإسكندنافية

حتى الآن، نجح البلدان في تعميق تعاونهما مع حلف الناتو من دون الانضمام إليه رسمياً، فتجنّبا بذلك استفزاز موسكو، لكن بعدما طالب بوتين حديثاً بعقد التزامات خطّية لضمان عدم توسّع الناتو مجدداً، قد يصبح هذا التوازن مُهدداً.

أعلنت وزارة الخارجية الروسية في الفترة الأخيرة أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو سيترافق مع عواقب عسكرية وسياسية خطيرة، وردّت رئيسة وزراء فنلندا، سانا مارين، على ذلك الموقف معتبرةً أن بلدها يحتفظ بخيار السعي للانتساب إلى الناتو في أي وقت: "لنكرر موقفنا مجدداً: قد يمهّد هامش المناورة وحرية الاختيار في فنلندا لحصول اصطفاف عسكري معيّن وتقديم طلب للانتساب إلى الناتو حين نقرر اتخاذ هذه الخطوة".

السويد بدأت استعداداتها

ردّت السويد بدورها على الموقف الروسي، ووفق صحيفة "داجينز نيهتر" السويدية، قال القائد العسكري الأعلى، ميكائيل بيدن، إن الرضوخ للمطالب الروسية يعني إنهاء الاستراتيجية الأمنية السويدية.

حتى أن السكان المحليين في هذين البلدين لم يتقبلوا محاولة روسيا كبح حرية اختيارهم، ففي فنلندا، عبّر عدد من السياسيين في حزب "الخضر" عن دعمهم للانتساب إلى حلف الناتو، فانضموا بذلك إلى المعسكر الداعم للناتو داخل الحزب اليميني الوسطي، وفي السويد يكشف استطلاع رأي نشرته شبكة TV4 يوم الاثنين قبل الماضي أن 35% من السويديين يفضّلون اليوم الانتساب إلى الناتو، وفي المقابل لم يتخذ 31% من المشاركين في الاستطلاع قرارهم النهائي بعد، ويعارض 33% منهم هذا الخيار، إنها أرقام مختلفة جداً عن نتائج العام 2018، فقد كشفت الاستطلاعات حينها أن 48% من الناس يعارضون الانضمام إلى الناتو.

فنلندا والسويد تستعدان للأسوأ وتتمنيان الأفضل

إذا أصبحت الأصوات الداعمة للانضمام إلى الناتو أغلبية، قد تواجه حكومتا البلدَين موقفاً شائكاً، فتفكران بالتجاوب مع مطالب الشعب مع أنهما تدركان أن أي خطوة مماثلة قد تطلق صراعاً عالمياً واسع النطاق، وفي غضون ذلك، تعجز فنلندا والسويد عن إطلاق ردود متكافئة على أي هجوم من الشرق. عززت السويد دفاعاتها بعد إقدام روسيا على ضم شبه جزيرة القرم، حتى أنها جدّدت الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2017، ومع ذلك لا تزال وحدتها العسكرية المؤلفة من 25 ألف عنصر بعيدة جداً عن قدرات البلد التي بلغت ذروتها خلال الحرب الباردة، في منتصف الستينيات، فقد وصل عدد القوات السويدية في تلك الحقبة إلى 800 ألف عنصر تقريباً، فتحرص فنلندا والسويد إذاً على الاستعداد للأسوأ، لكن يُفترض أن يتمنى هذان البلدان وجميع دول العالم أن تنجح الدبلوماسية مجدداً في إيجاد المسار الذي يمنع تصعيد الوضع بطريقة سلمية.

● كارل جوهان كارلسون - موقع وورلد كرانتش