«تجاوزات مرورية... وقوف في الممنوع... المرور في الاتجاه المعاكس... استهتار ورعونة وحوادث متفرقة» سلسلة لا تنتهي من المخالفات التي تحول المرور في الكويت إلى حرب شوارع تحصد يومياً الأرواح والإصابات والخسائر في الممتلكات أو حتى التسبب في اختناقات مرورية لا تنتهي على مدى ساعات النهار.

هي أزمة متمادية ومتجددة من دون أن تجد السلطات المعنية لها حلاً منذ عقود، فلا توسعة الطريق حلت الأزمة، ولا الحلول المجتزأة لرخص القيادة أو ملكية السيارات استطاعت أن تحتوي المعضلة، لتبقى الفوضى سيدة الموقف في ملف المرور العصي على أي حل.

Ad

«القيادة فن وأخلاق والتزام»... وفي موازاة هذه الثلاثية من العناصر الرديفة للقيادة ثمة ثلاثية من الجهل والسلوك غير السوي والاستهتار الناجم، إما بسبب غياب القوانين والضوابط، أو للتفلت منها نتيجة عدم المحاسبة والتشدد في تطبيقها.

يختصر المعنيون بقضايا المرور الأزمة في هذه الجوانب، ويعتبرون أن ثمة أزمة في الأخلاق والقانون لتنتج كارثة مستدامة تحتاج إلى المعالجة.

ويُجمع المواطنون على أن ثمة قلة التزام بالقوانين، وأن أكثرية السائقين خارج الالتزام وفوق القانون، فكل شخص لديه «قانونه» الذي يعتبر من خلاله أن له الأولوية على ما عداه.

ويعبر أحد المواطنين عن فوضى الشارع بقوله، إن ثمة عدم احترام للقانون أو البشر، فالناس كلهم في عجلة في أمرهم كأنهم في حلبة سباق، وهذا أمر سلبي، وبعض السائقين لا يعير أي اهتمام للإشارات المرورية أو للمشاة أو للخطوط الأرضية أو حتى لأماكن وقوف المسنين وذوي الإعاقة، ولا للأرصفة التي تحولت إلى مواقف للسيارات، لاسيما سيارات الدفع الرفاعي.

«المشهد فوضوي وكأن القانون لم يكن»، هكذا يصف أحد المواطنين الوضع، فكسر الإشارة الحمراء وتجاوز الآخرين أثناء الانتظار أو المرور يعتبر «شطارة»، فضلاً عن الحديث عبر الهاتف، والذي يشكل القاسم المشترك بين كثير من السائقين، والمسبب الأول للحوادث.

«أنا أخاف أن أقود سيارة، وكانت لي تجربة جعلتني أمتنع لاحقاً عن القيادة»، بهذا التعبير لخصت إحدى المواطنات موقفها من هذا الأمر، والتي أشارت إلى أن إحدى سيارات الدفع الرباعي صدمتها عند إشارة مرور، وبعد تلك الحادثة باتت تستقل سيارات الأجرة للذهاب إلى عملها خشية أن تعرض نفسها للخطر.

ويقترح البعض إقرار غرامات رادعة تؤدي إلى فرض الالتزام بالقوانين، ففي ظل غياب الضوابط المشددة يبقى الاستهتار قائماً.

دوافع نفسية

وعما إذا كانت الأزمة المرورية في الكويت نفسية، يقول اختصاصي أول طب نفسي ورئيس قسم الطب النفسي في مركز الكويت للصحة النفسية د. عمار الصايغ، إن ظاهرة الاستهتار والاندفاع في القيادة لا يمكن تشخصيها ضمن قالب واحد، فهي ظاهرة تضم أكثر من فئة؛ الأولى وهي الأكثر انتشاراً ودائماً ما نرصدها في المجتمع، وهي فئة الشباب المراهقين وحديثي التخرج من الثانوية، مشيرا إلى أن هؤلاء الشباب جزء من تكوينهم وهرموناتهم هو حب الظهور، فيحب أن يكون متفرداً، وهذا يظهر لدى بعضهم خصوصاً من يكون أسلوب تربيتهم به نوع من الاستهتار بالقانون وعدم الالتزام به، فترى هذا النوع عند حصوله على رخصة قيادة يخرج إلى الشارع يقود برعونة وسرعة زائدة، وتجده يضع الملصقات أو يميز سيارته بأي شكل حتى يختلف عن الآخرين ويبرز أكثر وسط أقرانه.

وأضاف الصايغ أن الفئة الثانية من المستهترين في القيادة هم الشخصيات السيكوباتية الذين يحبون أن يكسروا القانون، موضحاً أن هذه الشخصيات تجدهم بصفة عامة يخالفون القوانين، وفي القيادة دائماً ما يحصدون المخالفات، ولا يخالفون القواعد فقط في القيادة، بل هم دائماً غير ملتزمين بأي نظام أو قانون في كل شؤون حياتهم، وهذا جزء من شخصيتهم.

مرض اضطرابي

وتابع: أما الفئة الثالثة فهم الذين يكون لديهم مرض، وكثير منهم لم يشخص مرضهم، وليسوا على علم بمرضهم، وهو مرض اضطراب فرط الحركة وقلة الانتباه، وينتج هذا المرض عن خلل في واحد من المواد الكيميائية في المخ تجعل منه عجولاً دائماً وغير صبور، مضيفاً أن هذا المرض تبدأ ملاحظته منذ المدرسة، حيث تكثر الشكوى من استعجاله دائماً في الإجابة وتخطيه للدور لأنه لا يستطيع الانتظار، وهذه الشخصية كانت توصف بمصطلح «المشاغب»، ولكنه ليس كذلك، بل هو مريض يعاني مرضاً اضطرابياً.

وبين أن هذه الشخصية عند قيادتها للسيارة تراها دائما على عجلة في قيادته بالطريق، ولا يستطيع الانتظار، فنجده يتخطى السيارات ويقود بسرعة، وكل هذه الأنواع نشاهدها ونصنفها بالمستهترين في القيادة.

ويرى الصايغ أن الخطوة الأولى في التعامل مع تلك الشخصيات أن تحمي نفسك من ضررهم، إذ إن الشخص المستهتر في القيادة يمكن أن يجعلك تصطدم بسيارة أخرى، لذا عليك أن تبتعد عن هذا الشخص ولا تدخل في تحدٍّ معه، لأنه يمكن أن يكون مريضاً أو شخصاً لا يحترم القانون، ولكن إذا لزم الأمر اتخذ معه الإجراءات القانونية أو أبلغ الشرطة في حال شاهدت أحد المستهترين في الشارع واستشعرت الخطر.

ساحات للعنف

وفي حين تحولت بعض الشوارع إلى ساحات للعنف والطعنات والمشاجرات التي تتطور إلى حوادث قتل في بعض الأحيان بسبب أولوية المرور، قالت استشارية الجراحة العامة في مستشفى مبارك الكبير د. فاطمة خاجة، إن «العنف في الشوارع ظاهرة موجودة في الكويت منذ نحو 20 عاماً، ونحن نرصد مثل هذه الحالات أثناء الخفارات الليلية بالمستشفيات، والتي تتمثل في الضرب أو الطعن بآلات حادة»، مضيفة: «وفي الوقت الحالي ومع دخول السوشيال ميديا وتسليط الضوء على مثل هذه الظواهر أصبح الناس يشاهدون لقطات ومشاهد العنف بشكل أكثر، لكنها موجوده منذ زمن وليست بجديدة».

وأضافت خاجة أن «الإصابات التي كنا نرصدها من بداية وجود عنف الشوارع كانت في أماكن متفرقة من الجسم، أغلبها يكون في منطقة الصدر والبطن والظهر والرقبة، والجروح كانت إما سطحية أو جروحاً تستدعي الدخول الفوري إلى غرفة العمليات الكبرى، وهناك من يدخلون العناية المركزة بسبب هذه الإصابات، لأن الضرر قد يصل إلى الكبد أو الأمعاء».

وتابعت: خلال فترة أزمة كورونا وبسبب الحظر ومنع التجول قلت حوادث عنف الشوارع، وزادت بشكل ملحوظ حوادث العنف الأسري نتيجة الحالة النفسية التي يعانيها الناس بسبب هذا الوباء، ونتيجة الاحتكاك المباشر داخل البيوت والمشاكل الاقتصادية التي صاحبت هذه الجائحة.

بوحسن: تسجيل 500 مخالفة يومياً دليل سلوك خاطئ

كشف ضابط قسم العلاقات العامة والتوعية المرورية في الإدارة العامة للمرور الرائد عبدالله بوحسن أنه تم خلال عام 2021 ضبط نحو 4 ملايين مخالفة مرورية، منها مليونا مخالفة تقريباً كانت خاصة بكاميرات الضبط المرورية بمعدل 500 مخالفة مرورية في اليوم نتيجة سلوك خاطئ من قائدي المركبات، التي يتم رصدها على مدار الساعة.

وقال بوحسن لـ«الجريدة»، إن القيادة فن وذوق وأخلاق، ومشكلة المرور هي عدم التزام قائدي المركبات بقواعد وقوانين المرور، فالسلوكيات المخالفة من قائدي المركبات والتي يتم رصدها من خلال رجال الأمن في الطرقات أو كاميرات الضبط المرورية تتسبب في الحوادث والكثافة المرورية. موضحاً أن البعض يعتقد أن هذا السلوك بسيط، لكن عواقبه وخيمة على الطرقات.

وعن التعامل مع تلك المخالفات أوضح أنه يتم من خلال غرفة التحكم رصد المخالفة كخطوة أولى، وتؤخذ صورة للمركبة المخالفة ولوحتها، وتسجل المخالفة بشكل مباشر من خلال غرفة التحكم، أو يتم تلقي بلاغات المواطنين والمقيمين عن المخالفات عبر الهاتف على الرقم 112 أو عن طريق إرسال الشكوى على «الواتس أب» الخاص بالإدارة العامة للمرور، وتتم متابعة ورصد المخالفة وأخذ صورة عن المخالفة سواء كانت عرقلة سير أو الوقوف في الممنوع أو التجاوز وغير ذلك ليقوم العاملون في غرفة التحكم بتسجيل المخالفة على رقم اللوحة المثبت مخالفتها.

وعن كيفية معالجة الكثافة المرورية أو الازدحام قال: قد يكون الازدحام منتشراً في معظم الطرقات، لكننا نستطيع أن نخفف من حدة الكثافة المرورية بالتزامنا بقواعد وقوانين المرور، فالكاميرات موجودة في التقاطعات المرورية والطرقات المهمة، وبمجرد أن نشاهد أي كثافة مرورية في أي من المواقع نبحث عن سببها ونتدخل فوراً للمعالجة.

وحول أنواع المخالفات قال: بالطبع متنوعة منها ما يحرر عن طريق غرفة التحكم، ومنها ما يحتاج إلى تدخل رجال الأمن، ومنها ما يحتاج لرفع المركبة كحال بعض قائدي المركبات الذين يتركون مركباتهم بإهمال كبير في الشارع ويتسبب في غلق الطريق، كما تتنوع المخالفات ما بين الوقوف صفاً ثانياً أو الوقوف في الممنوع أو على الأرصفة المخصصة للمشاة.

وختم بوحسن بقوله: «الأهم في موضوع المرور هو كيف يمكن أن نساعد رجال الأمن لتوفير بيئة آمنة والتخفيف من حدة الكثافة المرورية؟ وفي رأينا أن المساعدة تكون عن طريق الالتزام بقواعد المرور والابتعاد عن المخالفة ولا يعتقد أحد أنه لو حدث وخالف اليوم ونفد من المخالفة أن هذا سيدوم فاليوم لم يكن موجوداً في هذا الموقع رجل أمن ليخالفه، لكن قد تكون رصدته كاميرا ضبط مرورية أو بأي طريقة أخرى. فعدم وجود دورية لا يعني عدم وجود مخالفة مرورية فالتزم بالسلوكيات المرورية بينك وبين نفسك أولاً حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية.

● محمد الشرهان ونيرمين أحمد