أعلنت منظمة يونسكو العالمية أن هذا العام سيُخصص كاملاً للاحتفال بذكرى 200 عام على ميلاد الكاتب الروسي دستويڤسكي، مما يعني أنه على جميع المؤسسات الأدبية في العالم أن تقيم الندوات والمحاضرات والأفلام التسجيلية والدرامية، لتسليط الضوء على حياة ومعطيات هذا الكاتب، الذي يُعد واحداً من أعظم الكُتاب الروس، لما له من تأثير عميق في تاريخ الحياة الأدبية في العالم، إذ تُرجمت رواياته إلى معظم اللغات، ولا تزال تلقى إقبالاً من القراء، كما أُخرج للسينما الكثير مما كتبه.

وقال عنه النقاد: "إن دستويڤسكي عاصر الإنسان منذ لحظات ولادته، وحتى ساعات مماته، لأنه يصوِّر لقارئه أدق دقائق خلجات الإنسان النفسية والاجتماعية، بل والسياسية. لا يُقتصر ذلك التصوير على الإنسان الروسي فحسب، بل يتطابق مع مشاعر الإنسان في أي مكان، لأنه يخاطب فيه نزعاته، وغرائزه، وطباعه".

Ad

***

وقد تأثر العديد من الفلاسفة والكُتاب والعلماء بروايات دستويڤسكي، وتحديداً "الجريمة والعقاب"، و"الإخوة كرازاموف"، فجون بول سارتر يراه كاتباً وجودياً - على نحو ما - خصوصاً في رواية "من تحت الرماد"، وكذلك هناك إعجاب منقطع النظير من الفيلسوف نيتشه، والفيلسوف هيدجر، وعالم الفيزياء آينشتاين، والمحلل النفسي فرويد، والكاتب التشيكي كافكا، والفرنسي أندريه جيد، والنمساوي شيفان تسفاميغ، وغيرهم فيما كتبوه وعبَّروا فيه عن إعجابهم، ولا يتسع المجال هنا لاقتباس بعض كتاباتهم بهذا الصدد.

فلو لبَّى المجلس الوطني للفنون والآداب أو رابطة الأدباء نداء منظمة يونسكو العالمية، وشاركا العالم في هذه الاحتفالية، لأديب بحجم دستويڤسكي، لكان لمثل هذا الحدث الأدبي صداه عند المهتمين بالحركة الأدبية في الكويت.

***

والمتابع لحياة دستويڤسكي يدرك المعاناة التي كان يعانيها، وقد جئت على القليل منها في كتابي "أدباء من العالم"، فصوَّرت تلك التناقضات الشائكة في حياة هذا الكاتب الكبير، وأشرت إلى التحولات التي اكتنفت مسيرته الحياتية، يوم كان معارضاً لحُكم القياصرة، فانضم إلى الجمعية الاشتراكية الطوباوية، التي كانت تضم الكُتاب والمهندسين والأطباء وغيرهم من المثقفين ممن يتصدون للاستبداد، فأُلقي عليه القبض وحُكم بالإعدام، ثم خُفف عنه الإعدام في واقعة دراماتيكية، وسيق إلى السجن في صقيع سيبيريا. وهناك تغيرت الكثير من مفاهيمه، حيث اعتبر الاشتراكية تتنافى مع التعاليم المسيحية، وصارت كتاباته تركز على محبة الإنسان لأخيه الإنسان.

***

لينين لم يكن يُحب دستويڤسكي، ويراهُ بالغ الرداءة، فهو رجعي مقزز، وبالذات في رواية "الشياطين"، وأنه ليس لديه وقت ليقرأ مثل هذا الهراء، ولهذا فقد ألقى بكل رواياته في سلة المهملات. هذا ما رُوي عن لينين. فيما يرى ستالين أن دستويڤسكي كاتب عظيم، لكنه رجعي أعظم. لهذا لم تكن روايات دستويڤسكي تطبع في عهديهما، وبدأت تُطبع عام 1953.

***

أما الرئيس الروسي الحالي بوتين، فقد أمر بأن تُقام أعظم الاحتفالات الأدبية لتكريم دستويڤسكي، بل خصص الكثير من الجوائز للعديد من المسابقات الأدبية التي تقام خلال عام كامل للاحتفال به.

● د.نجم عبدالكريم