بدمعة مليئة بالتحسُّر، وبجملة استخدمها الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل 17 عاماً، اختتم رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري كلمة منتظرة من بيت الوسط بمقره في بيروت، أعلن فيها تعليق عمله السياسي والعزوف عن الترشّح للانتخابات النيابية المقبلة، داعياً «تيار المستقبل»، أكبر حزب سني في لبنان الى الحذو حذوه.

استحضر الحريري الابن مسيرة والده وجملته التي قال فيها:» أستودع الله هذا البلد الحبيب وشعبه الطيب»، وكررها، وكأنه يبدي تخوّفه على مصير لبنان وما سيواجهه من مشاكل سياسية والمزيد من الانهيارات، خصوصا أن الوقائع الداخلية والخارجية تشير إلى أن لبنان سيكون موجوداً في قلب صراع إقليمي ودولي، يرفض هو أن يكون جزءاً من تحمّل مسؤولية تداعياتها.

Ad

وقال الحريري صراحة إنه دخل عالَم السياسة لاستكمال مشروع رفيق الحريري، الذي كان يرتكز على نقطتين أساسيتين؛ الأولى هي وقف الحرب الأهلية وتعزيز السّلم الأهلي ومنع عودة التحارب بين اللبنانيين.

والنقطة الثانية هي مشروع اقتصادي متكامل يقوم على تعزيز حياة اللبنانيين المعيشية والاجتماعية. واعتبر أنه قدّم التسويات والتنازلات، في سبيل حماية لبنان من الحرب الأهلية، وقال إنه نجح في ذلك.

واعتبر الحريري أن الله لم يوفقه بالنقطة الثانية، بنتيجة وقائع الانهيار الذي حصل، معلناً أنه كان أول من استجاب لمطلب «ثورة اللبنانيين في 17 تشرين»، وقدّم استقالته، ولاحقاً سعى إلى تشكيل حكومة اختصاصيين لإنقاذ لبنان، لكنّه لم يتمكن من تشكيلها. وقال: «من باب تحمّل المسؤولية، ولأنني مقتنع بأنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي: أولا، تعليق العمل بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل إلى اتخاذ الخطوة نفسها.

ثانيا: عدم الترشح للانتخابات النيابية، وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار. لأحبتي أبناء وبنات مدرسة رفيق الحريري: نحن باقون بخدمة أهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق أي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي». وبلا شك أن موقف الحريري يمثّل قلباً للطاولة بالمعايير السياسية التقليدية في لبنان، خصوصا أن طرفا بهذا الحجم وممثلا لطائفة مؤسسة وكيانية في لبنان يعلن تعليق عمله السياسي، سيفتح ذلك الساحة اللبنانية والسنية، خصوصاً أمام احتمالات متعددة، أبرزها إما تشكيل جسم سياسي جديد يحافظ على الاعتدال داخل هذه الطائفة، ويستكمل المشروع وفق المبادئ التي أرستها الحريرية، والتقت عليها قوى سياسية متعددة بعد اغتيال رفيق الحريري، على أن يخوض هذا الجسم أو الجبهة الانتخابات النيابية في المرحلة المقبلة، لاستعادة التوازن مع حزب الله.

أو أنه في حال عدم الوصول إلى تشكيل مثل هذه الجبهة، ستكون هناك حالة فوضى تشهدها الساحة السنيّة من خلال سعي حزب الله لتنفيذ اختراقات داخل مختلف المناطق.

أيضاً هناك احتمال أن تلجأ شخصيات وقوى سياسية جديدة لإعلان العزوف عن خوض الانتخابات، مما سيؤدي حتماً إلى تأجيلها، لكنّ التأجيل سيؤدي إلى تعميق الأزمات أكثر في المرحلة المقبلة، ولكن قد تستفيد منه القوى السياسية التي لا تريد إجراء الانتخابات وتخشى نتائجها.

وبحسب ما تكشف مصادر متابعة لـ «الجريدة»، فإن رؤساء الحكومة السابقين سيبقون اجتماعاتهم مفتوحة، وسيستمرون بالتنسيق مع الحريري للبحث في المرحلة المقبلة، وكيفية إدارة المعركة تحضيراً للانتخابات النيابية، ولعدم ترك الساحة السنيّة في حالة فراغ وتشظّ، وهذا دور ينطلق به الرئيس فؤاد السنيورة، من خلال اجتماعات يجريها مع شخصيات متعددة، ولطالما كان يسعى إلى تأسيس مثل هذا الجسم حتى قبل تفكير الحريري بالعزوف عن الانتخابات.

بلا شك أن ملامح كلام الحريري انطوت على تخوّف واضح حول مصير لبنان واللبنانيين، وبحسب ما تقول مصادر قريبة منه فإنه يخشى المزيد من التوترات على وقع التصعيد السياسي الإقليمي والدولي، ويجد أنه غير قادر على الاستمرار في مهمة من شأنها أن تزيد من أزمات البلاد ومواطنيها، كما أنه على قناعة بأن أي نتيجة للانتخابات لن تؤدي إلى تغيير في الإدارة السياسية، ما لم تحصل أحداث كبيرة واتفاقات أكبر.

قرار الحريري سيضع السنّة، وتحديداً شخصيات وقيادات من تيار المستقبل، على حافة خيارات صعبة. حتماً هناك حالة من الضياع وعدم الوضوح، فيما يفكر كثر منهم بالاستمرار في العمل السياسي والنيابي، وإن بدون استخدام اسم تيار المستقبل.

فالنائبة بهية الحريري كانت مصرّة على الاستمرار بترشّحها في صيدا، وكذلك النائب السابق مصطفى علوش، والنائب سمير الجسر في طرابلس، وكذلك بالنسبة الى نواب آخرين في عكار وبيروت، لكنّ الأساس يبقى في التحالفات وكيفية خوض هذه الانتخابات.

وتعليقًا على إعلان الحريري​ قال رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، «صفحة حزينة للوطن ولي شخصياً، لكنني أتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها».

بدوره، اعتبر رئيس «​الحزب التقدمي الاشتراكي​« ​وليد جنبلاط،​ أن «قرار رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، يعني إطلاق يد ​حزب الله​ والإيرانيين، وهو قرار محزن جدًا، ونفقد به ركيزة للاستقلال والاعتدال». من ناحيته، لفت عضو كتلة «المستقبل»، النائب ​سمير الجسر​، إلى «أننا وثقنا بهذا الرجل، ولا نزال نثق به»، معتبراً أن «الخيار مُرّ، لكن يبدو أنه لا بُد منه، والأمر الوحيد المطمئن، أن الإعلان هو تعليق للعمل السياسي لا إنهاؤه، وإن شاء الله خير». وأوضح أن «قراره ليس من باب الترف، لو أنه لم ير أن هناك مصلحة، لم يتخذ قراره، والوضع في البلد وصل إلى مكان مغلق». وبينما أقدم مؤيدون للحريري على قطع عدة طرق في بيروت والمناطق تضامناً معه، قالت رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف: «لن يكون بلدنا بخير إذا كانت طائفة وازنة خارج نسيجه السياسي، وبعد هذا القرار نعتقد أن الانتخابات دخلت دائرة الخطر».

منير الربيع