قال "الشال" إنه ضمن أولويات برنامج الحكومة الحالية، ترشيق القطاع العام، وهو هدف مكرر في خطط التنمية وبرامج الحكومات الأخيرة، وظل هدفاً جيداً، ولكن ما تحقق حتى الآن هو عكسه، وتغيرت جوهرياً أوضاع البلد المالية والاقتصادية، ولم يعد تحقيق ذلك الهدف خيارا، بل واجبا. أهم وأكبر القطاعات ضمن القطاع العام، هو قطاع النفط، الذي تعرض لأكبر عملية انتفاخ وترهل وارتفاع في التكاليف، سواء بكوادره وامتيازاته، أو باستثماراته الخاسرة حول العالم.

أخطر تبعات ترهله، أنه فقد أفضل ما لديه من قيادات بسبب مشروع خاطئ للتقاعد المبكر من أجل إحلال آخرين محلهم، إضافة إلى ارتفاع تكلفة انتاج برميل النفط لمبررات لا علاقة لها بالإنتاجية إلى أكثر من خمسة أضعاف في أقل من عقدين من الزمن، حتى تساوت تكلفة انتاج البرميل في يوم من أيام الجائحة، مع سعر برميل النفط الكويتي في السوق.

Ad

وللقطاع تاريخ في تسليمه هبة سياسية لشراء ولاء ذلك الفصيل السياسي أو ذاك، وللقطاع حصص وظيفية تمنح لذلك النائب أو النافذ، والإفراز الطبيعي والحتمي لمثل تلك السياسات، هي تخلف وفساد القطاع، وللقطاع استثمارات ضخمة فاشلة، بدايتها "سانتا في" في ثمانينيات القرن الفائت، مروراً بمصافي هولندا ومحطات بيع وقود التجزئة في بريطانيا وغاز الجنوب وسرقة ممنهجة لشركة ناقلاته، وانتهائها مؤخراً باستثماري مصفاة فيتنام و"شركة البولي برولين" المشتركة مع شركة كندية، ولم يبق للقطاع سوى التباكي على كنز فقده لفشل صفقة "كي داو" وهي صفقة لو تحققت لحصدت أكبر خسارة مما لحق القطاع من صفقات مثل مصفاة فيتنام والشركة الكندية.

وما زال هناك من يعتقد أن صفقة "كي داو" هي صفقة لشراء نصف شركة "داو كيمكال"، بينما هي صفقة بائسة لشراء 40 مصنعا قديما من شركة "داو كيمكال"، من ضمنها مصنع في إيطاليا بملكية مناصفة بين القطاع و"داو كيمكال" تم إنشاؤه في عام 2004، خسر رأسماله مرة ونصف المرة، إضافة إلى التزام بسداد نحو 130 مليون دولار بعد 6 سنوات من المساهمة فيه، رغم أن معدل العائد الداخلي عند إقرار دراسته كان 16 في المئة – 18 في المئة، وفي تبرير رسمي لشركة "داو كيمكال" لمشروع بيعها 40 مصنعاً قديماً للكويت، أي أقل من نصف المصانع القديمة التي تملكها، تذكر إدارة الشركة التالي "أنها- أي داو كيمكال- ترغب في الانتقال استراتيجياً من صناعة تقليدية سوق إنتاجها مزدحم وهامش ربحيتها منخفض، إلى صناعة بتروكيماويات متقدمة، التنافس فيها محدود وهامش الربح فيها مرتفع".

لذلك، كان هدفها من البيع تحصيل تمويل لشراء شركة "روم آند هاس "Rohm and Hass" بالكامل، وكانت شركة صناعة بتروكيماويات متقدمة، ووفقاً لجريدة نيويورك تايمز في عدد 06/02/2009 حول مبالغة "داو كيمكال" في دفع علاوة 74 في المئة لشراء "شركة روم آند هاس" في يوليو 2008، تذكر الجريدة أنها دفعت هذه المبالغ لاعتقادها بأن الكويتيين في جيبها الخلفي وسيؤمنون التمويل اللازم.

وغير صحيح ما يذكر أن معارضة الصفقة بدأت من الكويت، فالمعارضة المهنية والمالية، بدأت من مكتب الاستثمار الكويتي في لندن ومستشاريه الثلاثة في نص مذكرة أسمتها المؤسسة "Call Report"، وشارك في اجتماع لندن فريق من قياديي المؤسسة، وكانوا ستة، زائداً فريق مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، زائداً "مورغان ستانلي" و"كريديت سويس" و"دويتشه بنك"، واعترض الحاضرون في 16/17 أكتوبر 2008 بالإجماع على الصفقة، وأبدوا 6 مبررات صحيحة لاعتراضهم.

وحتى عندما تم الاعتراض عليها لاحقاً في الكويت وبات احتمال رفضها أكبر، وافق الفريق الداعم للصفقة في أواخر نوفمبر 2008 على تعويض لـ "داو كيمكال" بنحو 30 في المئة من قيمتها في حال الرفض، وكان زمن أزمة مالية عالمية لم تحدث منذ 80 عاما، ولا يفترض أن يزيد التعويض في أوضاع عادية عن 10 في المئة، وحول إقرار ذلك التعويض علامة استفهام كبيرة.

الغرض من التذكير بتاريخ القطاع ليس اجترار الماضي، ولكنها تجارب أليمة أمكن في الماضي تجاوزها بسبب ازدهار سوق النفط وتوقعات المزيد من الازدهار له في المستقبل، ذلك لم يعد واقع الحال، وبات من الضروري خفض تكاليف انتاج البرميل، ولا بد من قراءة تاريخ استثمارات القطاع الضخمة والمكلفة والخاسرة، والعمل على منع تكرارها، في المستقبل.

ووفقاً لسيناريوهات توقعات أسعار النفط على المدى الطويل، فإن إدارة قطاع النفط تتطلب توفر رشاقة وقدرة وحصافة ومهنية عالية، فالفارق ما بين أسعار النفط المحتملة في السوق، وتكاليف انتاج البرميل ان استمرت الممارسات على ما هي عليه، سيضيق، وستكون نتائجه وخيمة على المالية العامة.

ومن أمثلة السيناريوهات المحتملة، ما ذكره تقرير وكالة ستاندرد آند بورز الأخير، فتوقعاته لمعدل أسعار النفط في عام 2022 و2023 هي 65 دولارا و55 دولارا على التوالي هبوطاً من معدل 71 دولارا في عام 2021، وتقديراته لسعر تعادل موازنة الكويت حتى عام 2025 هي 85- 90 دولارا للبرميل.