أنهى زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، عام 2021 واجتماع حزب العمال الكوري الذي امتد على خمسة أيام بخطاب لا ينذر بأحداث سعيدة في السنة الجديدة، وعلى عكس التوقعات المرتبطة بحصول تغيرات كبرى في سياسة بلده أو التجاوب مع محاولات رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن اليائسة لإعلان انتهاء الحرب، لم يُلمِح كيم إلى حصول أي تواصل دبلوماسي أو تغيير حملة تجميع الأسلحة المستمرة في كوريا الشمالية، بل إنه ركّز على حل الأزمة الاقتصادية المحلية التي يعتبرها مسألة حياة أو موت.

في شهر يناير من كل سنة، تعلن بيونغ يانغ أولوياتها في السياسة المحلية والخارجية للسنة المرتقبة، يناقش النظام عموماً تفاصيل السياسة الخارجية مطولاً، فينتقد واشنطن وسيئول بقسوة أو يبدي استعداداً ظاهرياً للتفاوض، ففي يناير 2018 مثلاً، أعلن كيم أنه ينوي إرسال وفد رفيع المستوى إلى الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية، ثم قال في عام 2019 إنه مستعد لمقابلة الرئيس دونالد ترامب مجدداً لمناقشة مسألة نزع الأسلحة النووية.

Ad

كانت الإشارة المقتضبة إلى "علاقات الكوريتَين والشؤون الخارجية" في بيان الرئيس غير مسبوقة، وهي تعكس إصرار النظام على رفض الحوار، وفي الفترة الأخيرة، كررت كوريا الشمالية مطالبتها الولايات المتحدة بالتخلي أولاً عن "سياستها العدائية" قبل أن يشارك النظام في أي اجتماعات.

رؤوس حربية انزلاقية

لم يذكر كيم جونغ أون شيئاً عن القوات النووية والصاروخية المحلية إلا حين أراد الإشادة بالقطاع الدفاعي لأنه طوّر "سلسلة متلاحقة من أنظمة التسلّح المعاصرة"، وأيّد كيم متابعة إنتاج الأسلحة بالطريقة التي عبّر عنها في بيان المؤتمر الحزبي في السنة الماضية، ففي تلك الفترة، أعلنت كوريا الشمالية أنها تُخطط لتطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات، ورؤوس حربية انزلاقية وفائقة سرعة الصوت، وأسلحة نووية تكتيكية، وغواصات عاملة بالطاقة النووية، وأقمار اصطناعية استطلاعية عسكرية، وصواريخ بالستية طويلة المدى ومنطلقة من الغواصات.

أكّد خطاب كيم أيضاً رفض النظام المستمر للتدابير الإصلاحية الموجّهة نحو السوق، وأعاد التأكيد على منافع سيطرة الدولة على السياسات الاقتصادية الاشتراكية، كما أنه دعا القطاعات الصناعية والزراعية إلى زيادة إنتاجها وشجّعها على تطبيق المبادئ الاشتراكية "لتقوية التوجيهات الموحّدة وسيطرة الدولة على العمل الاقتصادي"، كذلك، استمر التركيز على التمسك بسياسة الاتكال على الذات لإبقاء كوريا الشمالية بمعزل عن أي تأثير خارجي.

على صعيد آخر، تثبت استفاضة كيم في الكلام عن تحسين القطاع الزراعي تدهور الوضع الغذائي في البلد، فاعترفت كوريا الشمالية بوجود "أزمة غذائية" في منتصف عام 2021، وتشير قيود النظام المستمرة ضد التجارة الخارجية، تزامناً مع العقوبات الدولية وكوارث الطقس، إلى احتمال أن يواجه الشعب المجاعة قبل موسم الحصاد في الخريف.

النقاء الإيديولوجي

في الوقت نفسه، أعلن بيان الحزب الحاكم أن تدابير الوقاية من وباء كورونا تبقى على رأس الأولويات، إلى جانب تنمية الأرياف وبناء مشاريع سكنية كبرى لتحسين ظروف المعيشة.

كان لافتاً أيضاً أن يتكلم كيم مطولاً عن تعزيز النقاء الإيديولوجي، لا سيما في المناطق الريفية، ويُذكّرنا تشديده على دعم أفكار النظام و"محاربة الممارسات المضادة للاشتراكية والمظاهر غير الاشتراكية" بتحذيرات مشابهة تم تداولها بعدما أعدم كيم زوج عمّته، جانغ سونغ تايك، في عام 2013 بتهمة الخيانة.

لم يتّضح بعد إلى أي حد يواجه النظام مقاومة متزايدة من الشعب أو يتوقع نشوء حركات تمرد محتملة، لكن ينذر بيانه باستمرار الجهود التي يبذلها كيم لمنع المعلومات الخارجية من تلويث مواطنيه، فقد عمد خلال عهده إلى تشديد التدابير الأمنية على الحدود، وزاد قدرات رصد الهواتف الأجنبية والبث الخارجي، وسنّ تشريعات لتجريم امتلاك أي معلومات خارجية، بما في ذلك الأفلام الكورية الجنوبية، والحُكم على المرتكبين بالإعدام.

كانت الخطابات في بداية كل سنة جديدة تمنح مواداً دسمة لكل من يزعم أن بيونغ يانغ تسعى إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية، وتريد تنفيذ سياسة خارجية أقل عدائية والتخلي عن ترسانتها النووية، وكانت المواقف التي تبدو أقل عنفاً من الخطابات السابقة تُعتبر رسالة حول رغبة النظام المتزايدة في الحوار وتحسين العلاقات، حتى أن بعض الخبراء استعمل منطق "الكلب الذي لم ينبح" المستوحى من قصص شيرلوك هولمز لرصد مؤشرات على رسائل لم يذكرها النظام مباشرةً.

لكن لا يسمح خطاب هذه السنة بإطلاق هذا النوع من التفسيرات، فقد كان غياب التهديدات المدوّية إيجابياً، لكن لا شيء يثبت استعداد البلد لاستئناف الحوار أو المفاوضات، حتى أن بيونغ يانغ رفضت العروض الدولية المتكررة بتقديم مساعدات غذائية وإنسانية ولقاحات مضادة للوباء، ويخشى النظام دخول الفيروس إلى البلد ويخاف من زعزعة الوضع بسبب التأثيرات الخارجية.

عزلة مشددة

تتمسك بيونغ يانغ إذاً بتدابير العزلة المشددة رغم انعكاساتها على الاقتصاد الوطني وراحة الشعب، لقد عجز كيم عن تنفيذ الوعد الذي أطلقه في عام 2012 حين قال إن سكان كوريا الشمالية لن يضطروا مجدداً "لشدّ أحزمتهم"، كما أنه لم يقترح حلولاً جديدة للمشاكل القائمة منذ عقود، بل دعا القطاعات بكل بساطة إلى زيادة إنتاجها بحماسة ثورية متزايدة.

أدى عهده الذي بدأ منذ عشر سنوات إلى استمرار الكوارث الاقتصادية والغذائية، وانتهاكات حقوق الإنسان، ومظاهر القمع السياسي، وحافظت الأجهزة الأمنية واسعة الانتشار على سيطرتها، لكن يعكس بيان الحزب الحاكم زيادة التحديات على استقرار النظام.

لم يذكر البيان شيئاً عن توجّه بيونغ يانغ إلى تخفيض ميزانيتها العسكرية أو إعادة توجيه مواردها من قطاع الدفاع إلى التنمية الاقتصادية الوطنية، وستتابع كوريا الشمالية، خلال عزلتها المستمرة، تطوير ترسانتها النووية والصاروخية وتوسيعها وتحسينها.

لا تزال كوريا الشمالية متمسكة إذاً بسياساتها الاقتصادية الاشتراكية الكارثية، وأساليبها القمعية الوحشية، وقدراتها العسكرية المتزايدة، ورفضها لقرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بنزع أسلحتها النووية.

قد يسود جو هادئ في شبه الجزيرة الكورية في عام 2022 على المدى القريب، إذ يُركّز النظام اليوم على تنظيم وضعه الاقتصادي، لكن لا أحد يعرف إلى متى سيدوم هذا الهدوء النسبي.

* بروس كلينغنر

* هيرتيج