منذ ظهور تنظيم داعش عام 2014 واجتياحه مساحات شاسعة من العراق، خفت صوت العرب السنة ذوي الأغلبية في الشمال الغربي من البلاد، وخضعوا لتأثير إيران والفصائل الموالية لها بعد نهاية الحرب عام 2017. لكن سياسياً رفيعاً من الأنبار يقول لـ«الجريدة»، إن الأمور تغيرت، وبدأت إيران تكتشف أن الأحزاب السنية لم تعد تخشى الفصائل.

يأتي تعليق السياسي السني؛ عقب خطوة جريئة قامت بها الأحزاب السنية مع مسعود البارزاني، الزعيم الكردي الأقوى، بدعم تيار مقتدى الصدر لحيازة الأغلبية في البرلمان، مما كسر للمرة الأولى منذ خمس تجارب نيابية، تقليد الكتلة الشيعية التي تتدخل إيران في تكوينها وتشكيل الحكومات.

Ad

وأعربت الفصائل المسلحة عن غضبها من موقف السنة والأكراد، باعتبار ذلك يهدف إلى «إلغاء الحق الشيعي» في رئاسة الحكومة، فيما يقول هؤلاء، إنهم يتحالفون مع تيار وطني يمثله الصدر الفائز الأول في اقتراع أكتوبر، والمستقلون والعلمانيون الشيعة، ضد أي تيار آخر يستخدم العنف والصواريخ داخل العراق وخارجه لفرض مشروع إيراني.

وأفاد قادة سنة، بأن أطرافاً عربية مع تركيا، شجعت سنة العراق على الانخراط مع الصدر في تغيير قواعد اللعبة، التي تعرضت إلى ضغط من حراك «تشرين» الشعبي الداعم للسيادة الوطنية بعد احتجاجات 2019 الدامية.

ويوضح هؤلاء أن سياسة حكومة الكاظمي التي تمسكت بانفتاح إقليمي ومحاولات وساطة وتهدئة مع إيران بشرط حفظ سيادة العراق، تركت أثراً داخلياً وخارجياً واضحاً على قواعد العمل الجديدة في البرلمان، مما يجعل تراجع دور الفصائل الموالية لطهران نتيجة طبيعية لتأثيرات الرأي العام وسياسة بغداد الجديدة.

وفي انتخابات 2018 تحولت القوى السنية إلى مجرد تابع للمحور الإيراني في العراق، وخضعت مناطقها، التي تعاني ويلات الحرب، إلى هيمنة أمنية لمصلحة الفصائل، لكن حراك «تشرين» الشعبي ومقتل قاسم سليماني جنرال حرس الثورة الإيراني في بغداد لاحقاً، فتحا المجال أمام تحولات في السياسة العراقية، سرعان ما شجعت السنة على الانخراط في دعم مشروع الدولة، وبتشجيع داخلي واضح، ودعم من المحيط السني الإقليمي، حسب قادة بارزين في الموصل والأنبار أكبر منطقتين بأغلبية سنية في العراق.

وقامت حكومة الكاظمي مشفوعة بمواقف من مرجعية النجف الشيعية وتيار الصدر والتيار المدني، بدعم السنة للخلاص من سيناريوهات الفصائل التي تحاول تعزيز سيطرتها على المناطق السنية، وادخالها في مواجهة دولية كبيرة ضمن استقطابات الأزمة الإيرانية.

وإذا صمد تحالف السنة مع الصدر والتيار المدني، فمن شأن ذلك إجبار إيران على التكيف مع التحولات السياسية في العراق، مما دعا المراقبين للقول، إن كل مقاومة المحور الإيراني لما حدث في جلسة البرلمان مطلع الشهر، تتصدع وخصوصاً مع وساطة قام بها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي سهلت لقاءً مهماً أمس الأول، بين مقتدى الصدر وهادي العامري الذي يوصف بأنه طرف «عاقل» في المحور الإيراني.

وذكر قيادي كردي، أن ضرب مقرات الأحزاب الكردية والسنية في بغداد الذي تواصل حتى فجر أمس، هو مناورات صبيانية، مشيراً إلى معلومات مؤكدة تفيد بأن جزءاً مهماً من محور الفصائل سيلتحق بالصدر ويخوله حق تشكيل الحكومة، مما سيؤدي إلى عزل الأجنحة المتطرفة في القرار الشيعي وخصوصاً حزب الله العراق، وعصائب أهل الحق، ونوري المالكي رئيس الحكومة الأسبق، الذي قد يواجه انشقاقاً مؤلماً في كتلته النيابية نتيجة هذه التطورات.

محمد البصري