في 31 أغسطس من السنة الماضية، بعد ساعات على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، أصدر تنظيم "القاعدة" بياناً يهنئ فيه حركة "طالبان" على انتصارها، ثم دعا إلى إطلاق "جهاد عالمي" لتحرير كشمير، والصومال، واليمن، و"أراضٍ إسلامية" أخرى من "براثن أعداء الإسلام".

فشلت "القاعدة" حتى الآن في كسب تأييد المسلمين الهنود، لكن ذلك البيان الذي تزامن مع استيلاء "طالبان" على السلطة في أفغانستان أدى إلى زيادة المخاوف في الأوساط الأمنية الهندية، فهل يمكن أن تُمهد هذه التطورات لنشوء حركة إسلامية متشددة في الهند؟

Ad

في سبتمبر 2014 بدأ أيمن الظواهري يُركز على جنوب آسيا، فأطلق رسمياً فصلاً جديداً في هذه المنطقة عبر إنشاء "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية"، يهدف هذا التنظيم إلى إخضاع أفغانستان، والهند، وباكستان، وبنغلادش، وبورما، لحاكم واحد عبر رفع علم الجهاد.

اتّضح وجود هذه الجماعة الجهادية في الهند عند اعتقال ناشطين من "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" في نيودلهي عام 2015، ثم اعتقلت الشرطة المحلية مولانا عبدالرحمن قاسمي المنتمي إلى التنظيم نفسه، وزعمت أن "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" أنشأت معسكر تدريب في "مكانٍ ما من غابات جهارخاند".

عجزت "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" عن توسيع نفوذها في الهند، كما فعلت في باكستان وبنغلادش، ولم تستطع تنفيذ اعتداءات كبرى هناك. تتعدد الأسباب التي تفسر فشل "القاعدة" في استمالة المسلمين الهنود.

على المستوى الاجتماعي، يُعتبر المسلمون جزءاً راسخاً من المجتمع مع أنهم يشكلون أقلية، فهم يعيشون في الهند منذ ألف سنة تقريباً ولا يشعرون بالتهميش، على عكس وضعهم في الدول الأوروبية.

على المستوى السياسي، تُعتبر الهند منارة ساطعة في منطقة جنوب آسيا، مع أن تنامي القومية الهندوسية زاد الضغوط على النسيج الديموقراطي والاجتماعي والثقافي والسياسي في الهند، إذ تمنح العمليات والمؤسسات الديموقراطية المسلمين أدوات قانونية للتعبير عن استيائهم ويمكن حل مشاكلهم بالسبل السياسية.

على المستوى الثقافي، لا يزال المجتمع الهندي جماعياً بطبيعته، مما يعني أن أعداداً كبيرة من أفراد العائلات تعيش جنباً إلى جنب، ويمنع هذا النظام العائلي تشدّد الأفراد الأصغر سناً من كل عائلة، ويبرز أيضاً عامل ثقافي آخر ساهم في الحفاظ على اعتدال المسلمين الهنود: تحمل الهند تقليداً قوياً من التوجهات الفكرية التوافقية وأفكار التعددية والمشاركة، هذا العامل أثّر بقوة على المسلمين.

على صعيد آخر، لا تقدم الهند أي منافع استراتيجية للشباب المسلمين الذين ينضمون إلى التنظيمات الجهادية، ومن جهة لا يرحّب المجتمع الهندي المسلم بالأفكار المتطرفة لأن المسلمين في الهند لا يستطيعون إنشاء دولة إسلامية ويعجزون عن جذب شريحة واسعة من السكان عبر استعمال العنف. من جهة أخرى، من غير المنطقي أن يسافر الشباب المسلمون إلى الخارج للقتال والتضحية بحياتهم إذا كانوا يستطيعون رفع الصوت داخل النظام الديموقراطي الهندي، ولهذا السبب الاستراتيجي، أصبح الجهاد خياراً مكلفاً للمسلمين الهنود.

لكن بدأ الوضع يتغير الآن، حيث يشهد تنظيم "داعش" تراجعاً واضحاً بعدما جذب بعض المجندين في الهند، وقد تستفيد "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" من هذا الفراغ الأيديولوجي إذاً، وتزداد المؤشرات المقلقة التي تنذر بتوسّع النشاطات الجهادية اليوم، ففي يوليو 2021، اعتقلت الشرطة في ولاية "أتر برديش" ناشطَين من جماعة "أنصار غزوة الهند" التابعة لتنظيم "القاعدة" في كشمير، وتفيد التقارير بأنهما كانا يخططان لشن اعتداءات في أماكن مكتظة من "لكناو"، عاصمة "أتر برديش"، قبيل يوم الاستقلال الهندي في 15 أغسطس، ومهّد هذا الاعتقال لسلسلة من عمليات التفتيش اللاحقة في خمسة مواقع من كشمير، مما يثبت احتمال وجود شبكة للقاعدة في الهند.

في شهر أكتوبر أصدرت الشرطة في ولاية "آسام" الشمالية الشرقية تحذيراً من احتمال وقوع اعتداءات من جانب "القاعدة" على خلفية اضطهاد المسلمين المزعوم في تلك الولاية، وتكشف هذه التقارير أن وجود "القاعدة" في الهند بدأ يتوسع وقد يستفيد هذا التنظيم من تصاعد غضب المسلمين في البلد.

في غضون ذلك، كثّفت "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" حملتها الدعائية، فنشرت ثلاثة فيديوهات متلاحقة في أكتوبر ونوفمبر 2021، ويتمحور الفيديو الأول حول اضطهاد المسلمين في الهند، ويعتبر الفيديو الثاني الهند وكشمير مُلْكاً للمسلمين، ويدعو الفيديو الثالث الشباب المسلمين في الهند إلى الانتفاض والدفاع عن كرامتهم ودينهم، فهل سيتأثر المسلمون الهنود بدعوات "قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" هذه المرة؟

● شافي محمد مصطفى - دبلومات