بعد قضاء عدة أيام في دمشق، واصل الرحالة الأربعة الكويتيون الشباب رحلتهم بقطار الشرق السريع إلى تركيا، التي وصلوا إليها بعد أربعة أيام.

نزلوا في محطة حيدر باشا بإسطنبول، وبحثوا عن بيت للشباب فلم يعثروا على شيء، واضطروا لاستئجار غرفة كبيرة بها حمام تفي باحتياجاتهم.

Ad

شاهدوا الكثير من المعالم التاريخية في تركيا، ولكنهم لم يجدوا إلا مسجداً صغيراً لأداء صلاة الجمعة، وعندما دخلوه كان المؤذن يؤذن داخل المسجد بدون ميكروفون، والمصلون جميعهم من كبار السن الذين أبدوا استغرابهم عندما شاهدوهم.

يقول سليمان الزايد في كتابه: "بعد ثلاثة أيام جميلة رأينا بها التاريخ المتنوع الذي عاشته هذه المدينة (إسطنبول)، رأينا مدينة تملؤها المآذن دون أذان ولا مصلين"، وهكذا قضى الرحالة الكويتيون أياماً جميلة في تركيا دون أن تحدث لهم أية مشاكل.

وفي محطتهم التالية، وهي بلغاريا، تعرضوا لأحداث خطيرة بسبب جهلهم وأخطاء ارتكبوها. توقفت الحافلة في آخر محطة وظنوا أنها صوفيا، ولكنها كانت محطة خارج صوفيا في منطقة ليس فيها شيء يذكر، وأخبرهم سائق الحافلة أنه لا يسمح لهم بالمبيت في المحطة، فخرجوا يبحثون عن مكان يبيتون فيه، فلم يجدوا سوى حديقة كبيرة ليس لها سور ولا أبواب وتبدو مهجورة، فوضعوا أمتعتهم وباتوا فيها تلك الليلة بدون عشاء، لكنهم استيقظوا في منتصف الليل على أصوات أشخاص ملثمين يسألونهم من أنتم، فقالوا لهم إنهم قادمون من تركيا. فَهِمَ الملثون بالخطأ أن الشباب الأربعة من تركيا، فتركوهم بعض الوقت إلى أن وصلت فرقة عسكرية مسلحة وطلبوا منهم الذهاب معها إلى مركز الشرطة وعاملوهم بعنف وقسوة.

لم يكن الرحالة الكويتيون يعرفون لماذا تم اقتيادهم للشرطة، ومكثوا بقية تلك الليلة في السجن في حيرة وارتباك، وبعد فترة قصيرة، تم اقتيادهم إلى أحد الضباط، الذي عرف، بعد سؤالهم، أنهم ليسوا أتراكاً بل كويتيون، فعاتب الجنود عتاباً شديداً واعتذر للرحالة عن سوء المعاملة، بل إنه قرر استضافتهم في فندق على حساب الحكومة البلغارية، وقال لهم: "إنكم محظوظون، لأنكم ما زلتم سالمين، ولم تصابوا بأذى"، فسألوه ولماذا نصاب بأذى؟ فقال لهم إن الحديقة التي كنتم نائمين فيها هي حقل ألغام منذ الحرب العالمية الثانية! فأصيبوا بالدهشة، وحمدوا الله تعالى على سلامتهم، وخرجوا من مركز الشرطة ليكملوا رحلتهم التاريخية، وفي الصباح، لاحظوا أن أكثر الناس في صوفيا نساء، وعندما سألوا عن ذلك، قيل لهم إن الحرب العالمية الثانية أخذت الكثير من الرجال، ولذلك عدد النساء هو الأكثر، ويعملن في وظائف رجالية لسد الفراغ الذي خلفه غياب الرجال.

يقول سليمان: "سألنا عن سبب قلة عدد الرجال في المدينة، فقالوا لنا إن بلادهم تعاني قلة الرجال بسبب الحرب العالمية الثانية، فقد أفنت الكثير منهم، ولذلك تجد النساء يعملن في جميع الأعمال حتى الثقيلة منها". في المقال المقبل نتناول جوانب أخرى من رحلة نسور الخليج وأبطالها الأربعة في عام 1966.

باسم اللوغاني