تتردد الأوساط السياسية، في بغداد، في تقديرها لتهديد بعض الفصائل المسلحة الموالية لطهران بالانقلاب ضد نظام الحكم في أعقاب جلسة البرلمان الأحد الماضي، التي خرقت أعراف التقسيم الطائفي وانحازت إلى تعريف المواقف السياسية لمصلحة الداعمين لسلطة الدولة ضد الخارجين عليها بالسلاح، لكن قراراً من المحكمة العليا بإيقاف مؤقت لصلاحيات رئاسة البرلمان أعاد خلط الأوراق والتقديرات بشكل غير مسبوق.

فحلفاء طهران الخاسرون في انتخابات أكتوبر الذين حاولوا لملمة مقاعدهم في جلسة افتتاح مجلس النواب الأحد الماضي، فوجئوا بأن تحالف القسم الاكبر من الشيعة نجح في أن يصمد مع القوى الكردية والسنية، نحو خيارات تدعم الدولة ضد الفصائل، بل لوّحوا أيضاً بالطعن في دستورية الجلسة التي أفضت إلى إعادة انتخاب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والتمهيد لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة بأغلبية عابرة للطوائف على خلاف العادة، وانهمك حلفاء طهران في الحديث عن «انقلاب» ضد الأغلبية الشيعية، قابله الرأي العام الشيعي باستهجان، لأن مجريات الأحداث منذ حراك «تشرين» الشعبي عام 2019 كانت ضد استفحال الفصائل ومحاولتها ابتلاع الدولة، وهي أمور تطورت منطقياً في الانتخابات الأخيرة وما تلاها.

Ad

وتلقى برلمان العراق تهنئة من رئيس البرلمان الإيراني محمد قاليباف، بعد دعم عربي ودولي لجلسة انتخاب الرئاسة، فيما بدأ رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي وساطة بين تيار الصدر الفائز الشيعي بالانتخابات مع القوى الشيعية الخاسرة، لإيجاد تهدئة تخفف من الغضب، الذي وصل حد التهديد بالانقلاب العسكري في جنوب البلاد، واعتبار ذلك أزمة عابرة على إيران وحلفائها التكيف مع مجرياتها، لكن قرار المحكمة العليا بإيقاف مؤقت لصلاحيات رئاسة البرلمان المنتخبة أعاد خلط الأوراق مجدداً.

وتعتقد الأوساط السياسية أن رئاسة المحكمة العليا خاضعة لتأثير الفصائل، لكنها لا تستطيع في الوقت نفسه مواجهة موقف داخلي ودولي داعم لمخرجات اقتراع أكتوبر الماضي، وقال مصدر سني رفيع لـ«الجريدة» إن رئيس المحكمة العليا فائق زيدان يلجأ إلى تسويات مؤقتة، أثناء الاستقطاب الحاد بين بغداد ونفوذ طهران، ويمنح وقتاً لحوارات تهدئة.

وسبق لرئيس المحكمة أن أجّل المصادقة على نتائج الانتخابات، ارضاء للفصائل التي طالبت بإعادتها، ثم صادق عليها بعد أسبوعين، وكان يهدف بحسب المصدر، إلى الدفع نحو ما يشبه الهدنة بين الخصوم لإيجاد تسوية سياسية، وطبقاً لذلك يضيف المصدر ذاته، أن الاستقطاب بين بغداد وطهران بلغ حداً يعرّض كل نفوذ إيران إلى الخطر في العراق، مما يستوجب قراراً من القضاء يخفف غضب طهران، ويمنح الحوارات الداخلية وقتاً إضافياً لتخفيف الأزمة التي وصلت حد الدعوة إلى تمرد عسكري.

ومن شأن قرار المحكمة غير المسبوق أن يثير غضباً واسعاً، لدى الأغلبية البرلمانية، التي نجحت في وضع الخطوة الأولى لاختيار الرئاسات، لكن المسألة عند عرّابي الأحزاب العراقية تتعلق بالمطاولة والصبر، إذ ليس من السهل تغيير قواعد اللعبة جذرياً استناداً لتحولات ما بعد حراك تشرين الشعبي، دون مشاهدة تطورات قضائية وميدانية معقدة، ستعتبر ناتجاً طبيعياً لإزاحة قوى مسلحة ومدعومة من دائرة النفوذ.

ووسط هذا الضغط تقول الأوساط السياسية، إن طهران تتكيف مع القواعد الجديدة في الحياة السياسية للعراق لكنها لن تتخلى عن التحكم بتفاصيل دقيقة لحماية ما يمكن من نفوذها الأمني والسياسي، وأبرز ذلك تهديد رئيس الحكومة، الكاظمي، وهو حليف بارز للصدر، بإعاقة التجديد لولايته، إلى جانب الدخول على الخلاف الكردي الداخلي الذي يهدد إمكان التجديد لرئيس الجمهورية برهم صالح أمام مرشحين منافسين من طراز هوشيار زيباري القيادي في حزب الزعيم الكردي مسعود البارزاني.

محمد البصري