في 15 نوفمبر نفّذت روسيا اختباراً لصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية ومُوجّه للصعود المباشر، ما أسفر عن تفجير القمر الاصطناعي الروسي «كوسموس-1408» وانتشار أكثر من 1500 قطعة من الحطام الفضائي، ووفق قيادة الفضاء الأميركية تستطيع هذه الأجزاء من القمر الاصطناعي أن تنتج مئات آلاف القطع من الحطام المداري الأصغر حجماً، ويُعتبر نجاح اختبار نظام التسلّح الروسي المضاد للأقمار الاصطناعية تصعيداً خطيراً للعمليات العسكرية في الفضاء، فهو يطلق فئة جديدة من تقنيات تسلّح لم تستعملها روسيا سابقاً، وقد أثبتت موسكو بهذه الطريقة قدرتها المتزايدة على تدمير الأقمار الاصطناعية انطلاقاً من الأرض من دون تحذير مسبق.

اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية ذلك الاختبار متهوراً، لكن لم تتخذ واشنطن حتى الآن أي خطوة عملية ولم تقترح أي خطة محتملة، وهذا التطور مؤسف فعلاً لأن الاختبار الأخير هو جزء من استراتيجية ترهيب روسية معقدة تشمل تطبيق سياسة حافة الهاوية العسكرية في أوكرانيا واستعمال مصادر الطاقة والعالم السيبراني ومسائل الهجرة كأسلحة بحد ذاتها، وفي حين يتابع جو بايدن تواصله مع فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا، يجب أن تصبح الجهود الروسية التي تزعزع استقرار الفضاء محط نقاش أيضاً.

Ad

سيكون تحديد معايير واضحة لتنظيم النشاطات الفضائية تحدياً عالمياً كونه يتطلب مقاربة متعددة الأطراف، فحتى الآن تبدو الدبلوماسية الأميركية حيادية أكثر من اللزوم، وفي المقابل تتابع روسيا والصين محاولة التحرر من القيود العسكرية في الفضاء، وافترض بعض الخبراء أن توقيت اختبار السلاح الفضائي الروسي يهدف إلى إثبات القدرات الاستراتيجية الروسية الجديدة قبيل تحديد المعايير القادرة على الحد من الاختبارات المماثلة مستقبلاً.

يجب أن تستغل واشنطن الاختبار الروسي الأخير لتوجيه الرأي العام الدولي حول استدامة الفضاء في المرحلة المقبلة، وانطلاقاً من القدرة الأميركية الواسعة على تنظيم الاستحقاقات البارزة، يُفترض أن تدعو واشنطن إلى عقد قمة عالمية حول أمن الفضاء في 2022.

يطرح التقدم الأخير في مجال التغيّر المناخي لمحة مفيدة حول طريقة التعامل مع هذا الملف، وأصبح التحرك ممكناً حين تكاتف المواطنون والعلماء والناشطون والحكومات حول العالم للجمع بين الأدلة المقنعة والدبلوماسية العامة والقوية، وتَحقق تقدّم واضح في هذا المجال بفضل خليط من الأدلة التي تثبت الأضرار المحتملة، وحملات التوعية، والدبلوماسية العالمية، ويمكن استعمال الصيغة نفسها وتنظيم قمة دولية لطرح معايير عالمية عاجلة حول طريقة استعمال الفضاء. تستطيع التحركات التي ينفذها بلد واحد أن تدمّر الاستعمال الآمن والسلمي لمدار الأرض، وسيكون التعاون لفرض قواعد ومعايير مشتركة حول أفضل الطرق لاستعمال الفضاء المسار المنطقي الوحيد في المرحلة المقبلة، وفي ظل توسّع استعمالات الفضاء، قد تتصاعد الاضطرابات الجيوسياسية على جبهات عدة، وفي الأسبوع الماضي قدّمت بكين شكوى في الأمم المتحدة ضد شركة SpaceX الأميركية، على اعتبار أن المحطة الفضائية الصينية اضطرت لتجنب مركبة Starlink مرتَين هذه السنة. تتمتع الولايات المتحدة بالقوة الكافية لعقد الاجتماعات، وتطرح رؤية استراتيجية واضحة، وتتحمّل مسؤولية تشجيع المؤسسات الوطنية ومتعددة الأطراف على التعامل مع المسائل العالمية قبل نشوء الأزمات، وسيصبح الوضع كارثياً إذا عَلِقت القوى الفضائية (روسيا والصين والولايات المتحدة) في دوامة من سوء التقدير وانعدام الثقة لدرجة أن تعتبر التصعيد العسكري الاستباقي الخيار الوحيد أمامها، وغداة الاختبار الروسي الأخير، يجب أن تضع إدارة بايدن مسألة تحديد المعايير الفضائية على رأس أولوياتها الدولية، ولإطلاق هذه الجهود تقضي أفضل خطوة بتنظيم قمة عالمية للأمن الفضائي في 2022.

● دبليو روبرت بيرسون وبينجامين شميت - فورين بوليسي