تناولت في مقال الأحد قبل الماضي، قضية دستورية وقضية وطنية، وهي في الوقت ذاته قضية إيمانية ترتبط بالعقيدة الدينية في الإسلام، وذلك أن العمل نوع من أنواع العبادة.

Ad

العمل في الإسلام

الإسلام يحتم على كل فرد أن يعمل، لأنه يريد للمؤمن أن يكون منتجاً، وهذه الحقيقة يؤكدها كتاب الله، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أكثرها في هذا المجال، فالحق تبارك وتعالى يقول في محكم آياته: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". (الجمعة 9-10) ثم يقول عز من قائل: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ". (الملك-15)

وروي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه"، وروي عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله يحب المؤمن المحترف". رواه الطبراني (الذي له مهنة وعمل).

النقاط على الحروف

وقد آن الأوان لوضع النقاط فوق الحروف في هذه القضية، وقد أطلق البعض عليها مسمى يبتعد بها عن حقيقتها، هربا من مواجهة المشكلة، المواجهة الصحيحة التي تليق بها، ليخلق البعض من هذا المسمى صراعاً مفتعلاً بين الكويتيين والوافدين، وليدغدغ مشاعر المواطنين، في معركة وهمية نسجها خياله المريض بالكراهية والتعصب، مستغلاً الآثار النفسة السيئة في نفوس المواطنين التي خلفها العدوان العراقي على الكويت، وقد كان العراقيون جزءا من العمالة الوافدة، وهم أبرياء والشعب العراقي، من جرائم صدام حسين، ولم يكن لهم رأي في هذا العدوان، وهم المغلوبون على أمرهم، الذين كان صدام يحكمهم بالحديد والنار، خصوصا أن هذا المسمى لم يطل برأسه على الكويت إلا بعد التحرير.

وقد صور لي المناضل الوطني والقومي الديموقراطي الرفيع هذه المعركة الوهمية التي نسجها هذا الخيال المريض، ساخراً بأن الوافدين جاؤوا إلى الكويت تحمهلم الطائرات، مدججين بالأسلحة، ليحتلوا الوظائف التي شغلوها. إنه وصف دقيق وبارع وساخر من شيخ الديموقراطيين لهذه القضية، التي أصبحت تفتقد أي حل، لأن وافداً يرحل وآخرين يفدون إلى الكويت للعمل فيها، الأمر الذي ينبغي معه على عقلاء هذه الأمة وحكمائها وعلى المفكرين فيها، أن يتصدوا لهذه القضية بعدل وإنصاف ليضعوا النقاط على الحروف فيها.

وقد أصبحت هذه القضية تهدد الوحدة الوطنية في المجتمع الكويتي الإنساني النشأة والنزعة، والذي كانت نشأته الأولى في القرين، حيث استقرت القبائل والجماعات التي وفدت من كل صوب وحدب، هربا من الاضطرابات والقلاقل في بلادها لتعيش مع غيرها تحت سقف واحد من السلام والوئام والمحبة.

دور الدولة

وقد كانت سياسة التكويت- مع تحفظي على هذا المسمى- قاسما مشتركا في كثير من التشريعات التي أقرها مجلس الأمة في فصول تشريعية متعاقبة وعلى رأسها القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية للعمل في الجهات غير الحكومية، والذي ألزم الحكومة بأن تؤدي للمواطنين أصحاب المهن والحرف ومن يعملون في جميع الجهات علاوة اجتماعية وعلاوة أولاد.

كما ألزم القانون المذكور أصحاب الأعمال باستخدام نسبة من العمالة الوطنية، كما فرض رسوماً إضافية على تصاريح العمل وأذونات العمل للعمالة الوافدة بالقدر الذي يحول دون منافستها للعمالة الوطنية.

وجعل القانون من بين معايير الاستعانة بالدعم الحكومي العيني أو المالي للجهات غير الحكومية، أو التي يقررها قانون أملاك الدولة الالتزام بالنسبة التي يقررها مجلس الوزراء للعمالة الوطنية.

وحظر القانون التعاقد المباشر وإرساء الممارسات والمناقصات، إلا على من يكون قد التزم باستخدام النسبة التي يحددها مجلس الوزراء للعمالة الوطنية.

ثقافة العمل

والواقع أن هذه السياسة التي تحفظت على مسماها، لن تؤتي حصادها ما لم يتم غرس قيم العمل وثقافته في المجتمع، فثقافة العمل هي التي جعلت من اليابان صرحاً صناعياً شامخا في المجتمع الدولي، وجعلت اليابان وماليزيا من بين النمور الآسيوية السبعة في الاقتصاد العالمي، وهو ما كشف عنه محمد مهاتير في محاضرة ألقاها في مصر في زيارته لها بعد أن ترك رئاسة الحكومة الماليزية في سنة 2004، وقد نهض بالبلاد نهضة كبيرة، حيث قرر أن تنفيذ الموظفين للتعليمات في أدائهم لوظائفهم وانتظامهم في العمل وإتقانه، كان هو الأساس في المفاضلة بينهم وفي المنح والمكافآت التي تمنح لهم، وكان هو الأساس في نهضة ماليزيا.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

● المستشار شفيق إمام