فرضت تبعات «العفو الخاص» و«الحوار الوطني» والتشكيل الحكومي الجديد مشهداً جديداً على الساحة، كشف الحالة التي تعيشها الفرق السياسية في خضم صراع الزعامات والانقسامات النيابية التي ضربت الكتل البرلمانية وأبعدتها عن خريطة الإصلاح.

ففي تطور محلي لافت، خرجت مساء أمس الأول المعارك السياسية بين أطراف عديدة من غرفها المغلقة إلى الإعلام والجمهور، والهجوم الذي كان تلميحاً ضد هذا أو ذاك بات صريحاً بالاسم، وأصبحت خريطة المعارضة – إن صحت التسمية – منقسمة بين عدة جهات، تسعى كل منها إلى فرض نفوذها على المشهد مهما كانت الوسيلة.

عودة النائب السابق مسلم البراك إلى البلاد عقب ثلاث سنوات من الهجرة، وحديثه في أكثر من مناسبة عن مراجعة المواقف وتصحيح الأخطاء السابقة بنيا آمالاً كثيرة بنهج جديد لقيادة المعارضة، بيد أن خطاباته أربكت حسابات سياسيين ونواب ممن رأوا فيها تراجعاً وجنوحاً نحو التهدئة، وهو ما دفع الكثيرين إلى الابتعاد عن معسكره، في حين يرى البراك أن التعاطي مع العهد الجديد والواقع المستحدث يتطلب وسائل مختلفة عن السابقة لتحقيق الأهداف المرجوة، ولعل «العفو الخاص» نموذج ناجح يمكن تكراره في إقرار قوانين أخرى، وفي مقدمتها تقليص مدة «رد الاعتبار» والتي تفتح له باب العودة إلى مقاعد النواب.

Ad

خطاب البراك الجديد جذب إلى صفه نواب الحركة الدستورية (حدس) والنائب د. عبيد الوسمي إلى جانب الحمائم من النواب، وهو ما وفر لنواب «مطير» وغيرهم غطاء للانتقال من معسكر التصعيد إلى التهدئة، ومن موقع المعارضة إلى موقع نواب خدمات أو مصالح، يسعون إلى إعادة ترميم جسور التواصل مع الحكومة، التي شرعت لهم النوافذ وأبواب الخدمات وأحسنت إيواءهم وسلمت إليهم ثلاثة مقاعد وزارية.

لم تنجح دعوة مسلم البراك إلى اجتماع نيابي سياسي في لمِّ شمل الجميع، بل توالت الاعتذارات في موقف لم يكن يتوقعه حتى البراك نفسه الذي كان يمني النفس بالعودة إلى قيادة المعارضة والشارع.

وعلى الجهة المقابلة، واصل النائب السابق د. فيصل المسلم رفع شعار «رحيل الرئيسين» رغم حصوله على العفو الخاص، فشكل مع الصقور من النواب ممن يرون في استمرار رئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد وحليفه رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أزمة سياسية، جبهة مؤثرة في صناعة الرأي العام والموقف النيابي.

وترى تلك المجموعة، المسلم وصقور النواب، أن شعار «رحيل الرئيسين» قادر على توحيد جبهتهم وتعزيز تماسكهم أمام المجاميع الأخرى، وفيه إحراج لحلفائهم السابقين، والوسيلة المثلى لإعادة ترتيب مواقعهم في الساحة وتحت قبة عبدالله السالم لإحداث تغيير سياسي وتشريعي، وإبعاد خصومهم عن مراكز القوى والنفوذ، أو على الأقل الحد منها وتقليصها. وتمتاز هذه المجموعة بقدرتها على توفير عشرة أصوات لتوقيع كتاب عدم التعاون مع الرئيس في أي استجواب يقدم له، وهو سلاح يحرج النواب الآخرين ويستنزف من رصيدهم الشعبي.

أما كتلة الستة النيابية، فقد تعرضت لاختراق بقبول عضوها النائب د. حمد روح الدين المشاركة في التشكيل الحكومي الجديد بدعم من النائب الوسمي بالمخالفة لتوجهها، فسعت إلى رأب الصدع سريعاً بإعلان عدم تمثيل روح الدين لها في الحكومة، ولكن كيف ستتعامل الكتلة مع الحكومة بعد أن نجحت في إحراجها سياسياً وخطف أحد أعضائها من مقاعد الكتلة إلى الوزارة؟ هل تجنح نحو التهدئة والانضمام إلى معسكر البراك لإنجاز بعض القوانين، أو تلجأ إلى التصعيد ودعم شعار «رحيل الرئيسين» لتغيير الخريطة السياسية؟

دور الانعقاد الحالي، مهما طال أمده، سيكون ثقيلاً على كل الأطراف، بما فيها الجانب الحكومي، فالتهدئة قد لا تصمد بالضرورة أمام الأخطاء الحكومية وفشلها في مواجهة الفساد وغضب الشارع، وهو ما قد يدفع النواب الحمائم إلى التحول مجدداً نحو معسكر المعارضة، والتصعيد قد يسقط إذا ما نجحت التهدئة في إقرار مجموعة قوانين مرتبطة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، وفي مقدمتها إلغاء «حرمان المسيء» وتقليص مدة رد الاعتبار وقوانين الحريات وغيرها من التشريعات المتفق عليها بين كل المجاميع، والتي تحولت إلى وسيلة يدعو لها الشارع... فهل يمكن لطريق التهدئة أن يصل بالبلاد والعباد إلى طريق الإصلاح المنشود... أم أن للتصعيد رأياً آخر؟