يقال إن مواطناً في كوريا الشمالية حُكِم عليه بالإعدام الشهر الماضي بتهمة تهريب وبيع ناقل "يو إس بي" فيه نسخ من المسلسل الكوري الجنوبي الناجح Squid Game (لعبة الحبار)، ترافق هذا النشاط مع عواقب مؤسفة للكثيرين: حُكِم بالموت على طالب اشترى إحدى النسخ، وحُكِم على ستة طلاب شاهدوا المسلسل بالأشغال الشاقة طوال خمس سنوات، وطرد الأساتذة والموظفون في المدرسة من عملهم وتمّ نفيهم من البلد، وفي حادثة أخرى، اعتُقِل جندي في العشرينيات من عمره لأنه قدّم رقصة مستوحاة من فرقة البوب الكورية الجنوبية الشهيرة BTS. هذه الحوادث تثير التساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء حملة كوريا الشمالية القمعية لمنع مواطنيها من التعرّف على ثقافة كوريا الجنوبية.

لا يُعتبر أسلوب القمع الذي يستعمله النظام في كوريا الشمالية ضد من يملكون أو يتبادلون أو يشاهدون محتويات أجنبية حدثاً مفاجئاً، يفرض "مكتب المراقبة 109" منذ نشوئه في عام 2004 شكلاً شبه كامل من الرقابة على أجهزة الناس الإلكترونية، ويمنع امتلاك أو تبادل أو مشاهدة المسلسلات والأفلام الأجنبية التي تُعتبر "غير قانونية".

Ad

تمسّكت كوريا الشمالية بمقاربة شبه ثابتة تجاه الثقافة الكورية الجنوبية، لكن العلاقات السياسية بين الكوريتين شهدت جولة من المصالحات الإيجابية والتوتر والاضطرابات والعدائية في السنوات القليلة الماضية نتيجة عددٍ من العوامل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية. تتخذ الحكومة الراهنة في كوريا الجنوبية موقفاً سلمياً من كوريا الشمالية بدل متابعة المقاربات العدائية السابقة، وهي تلتزم بكل وضوح بالحوار والمصالحة، وحاولت حكومة مون جاي إن تحقيق نتائج ملموسة مثل إعادة فتح الخط الساخن بين الكوريتين وتسهيل الإعلان عن إنهاء الحرب، ونظراً إلى استمرار مراقبة الديناميات السياسية الثنائية والنزعة إلى فصلها عن المسائل الأخرى، من غير المنطقي اعتبار القيود التي تفرضها كوريا الشمالية على الثقافة الكورية الجنوبية شكلاً من الرد الانتقامي أو تعبيراً عن الكراهية تجاه سيئول.

بل يشعر النظام في كوريا الشمالية بالقلق من استعمال المحتويات الأجنبية لتكثيف المطالب الشعبية بتوسيع هامش الحرية الفردية في الحياة الشخصية وتبنّي اقتصاد السوق لأن هذه العوامل قد تزيد استياء الناس من واقع كوريا الشمالية، فيحاول النظام إذاً تجنب التحركات السياسية الفردية أو الجماعية في أسوأ الأحوال، ويستفيد النظام الكوري الشمالي من قوته السياسية الدكتاتورية للسيطرة على الحملات الدعائية التي تؤثر في حياة الناس اليومية ويُلحِقها بعقوبات قاسية لتحقيق غايته، فيتمكن بذلك من فرض سيطرته على السلطة وصياغة معايير المجتمع وتقاليده والتحكم بأفكار الناس وتصرفاتهم.

لا تقتصر حملة النظام القمعية ضد الثقافة الكورية الجنوبية على منع عمليات التهريب والتجارة غير الشرعية، بل إنها تعكس أيضاً منطق النظام الذي يعتبر الثقافة الأجنبية تهديداً لاستقراره، ومن خلال منع وصول أي محتويات ثقافية من خارج كوريا الشمالية، يريد النظام أن يكبح منذ البداية حملات التوعية المتزايدة حول الحريات الفردية كتلك الواردة في الأفلام والمسلسلات الدرامية الأجنبية، في هذا السياق، لن تكون تدابير النظام القمعية عواقب مؤقتة لتوتر العلاقات مع كوريا الجنوبية بل نتيجة طبيعية للمخاوف الداخلية من زعزعة استقرار النظام.

اعتادت كوريا الشمالية اتخاذ موقف ثابت من الثقافة الكورية الجنوبية، فعمدت إلى تسييسها على طريقتها الخاصة، وطالما يتمسك النظام الكوري الشمالي بسياسة الاحتواء للاحتفاظ بسيطرة مطلقة على المعلومات والمحتويات الثقافية، من المتوقع أن يتابع سيطرته على تدفق المواد الثقافية الكورية الجنوبية لأن بيونغ يانغ تعتبرها تهديداً على استقرارها بغض النظر عن الديناميات السياسية القائمة بين الكوريتين.

● سيوهي كواك - دبلومات