ذكرت صحيفة "لوكانار أنشينيه" (النسخة الفرنسية من مجلة "برايفت آي" البريطانية) قبل أيام أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وَصَف بوريس جونسون بكلمة gougnafier.

إنها كلمة مثيرة للفضول نظراً إلى جذورها اللغوية المتعددة ويصعب ترجمتها بدقة، فهل يمكن إيجاد كلمة واحدة لوصف شخصٍ فظ وفاشل؟ هذا هو المعنى الدقيق للكلمة، إنه شخص سوقي وغير نافع ومبتذل ويفتقر إلى الآداب الحسنة، ولم تكن هذه الكلمة مجرّد إهانة عابرة، بل إنها تعكس تعبيراً مدروساً عن مشاعر الازدراء. لكن ما عواقب هذه الإهانة الرئاسية بالنسبة إلى تدهور العلاقات البريطانية الفرنسية ودخولها حقبة جديدة من الحرب الباردة؟

Ad

يسهل اعتبار هذه المرحلة فصلاً آخر من الدبلوماسية الغاضبة التي يقودها ماكرون، حيث اقتصر الرد المحترم الوحيد في سجله على اعتبار تدخّله الأخير غير مفيد، أو قد يكون الواقع مختلفاً، فقد أدى استعماله لهذه الكلمة لوصف رئيس الوزراء البريطاني إلى رفع السقف اللغوي الذي يُصعّب تجديد العلاقات مع جونسون.

ترجمت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية تلك الكلمة بمصطلح knucklehead، أي الغبي، لكنه لا يعبّر عن الازدراء الذي تحمله إهانة الرئيس الفرنسي، واعتبر ماكرون رئيس الوزراء البريطاني "مهرجاً" أيضاً، مما يُسهّل استيعاب المعنى الكامن وراء إهانته الأخيرة. لا شك أن الصحافيين البريطانيين والفرنسيين سيستمتعون كثيراً بالوضع المستجد، وهذا هو المغزى الحقيقي من كل ما يحصل. سبق أن سمعنا أن بعض الوزراء البريطانيين يعتبر ماكرون على شفير الانهيار العصبي، لكنّ الطبيعة المبهمة التي تحملها الإهانة الأخيرة كانت كفيلة بالحد من تداولها، وفي غضون ذلك، لم ينكر قصر الإليزيه الكلمات المنسوبة إلى الرئيس في صحيفة "لوكانار أنشينيه".

كان الإنكار الأسلوب الذي اعتمده الرئيس الأميركي ليندون جونسون، وبدا موقف وزير العلوم البريطاني، جورج فريمان، متوقعاً حين اعتبر كلمات ماكرون "غير مفيدة"، لكنه أوضح موقفه قائلاً: "رئيس الوزراء ليس مهرّجاً طبعاً"، ومن الواضح أنه فضّل عدم التطرق إلى مصطلح "السوقي". قد يعتبر المحافظون أن هذا الشكل من الفظاظة لا يناسب رجال الدولة، لكن التاريخ يعجّ بهذا النوع من المواقف التي تحمل قوة مضافة في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعبارة أخرى، يمكن اعتبار ماكرون "متصيّداً" ينتمي إلى النخبة. منذ 35 سنة، خلال المحادثات البريطانية حول تخفيض مساهمة البلد في الميزانية الأوروبية، اعتبر الرئيس الفرنسي جاك شيراك رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر امرأة "شريرة" (mégère)، لكن أساء الصحافيون البريطانيون ترجمة هذه الكلمة واعتبروها مرادفة لـ"ربة المنزل" (ménagère)، وفي المرحلة اللاحقة، نشرت وسائل الإعلام البريطانية اقتباساً خاطئاً لموقفه وسرعان ما دخل التاريخ: "ما الذي تريده مني ربة المنزل البريطانية هذه"؟ لكنه لم يكن يعني ذلك، إذ لم يرغب شيراك في اعتبارها مجرّد ربة منزل، بل أراد أن يقول إنها امرأة عدائية وشريرة وخبيثة وقد استوحى موقفه من مسرحية شكسبير The Taming of the Shrew (ترويض النمرة).

على مر تاريخ العلاقات البريطانية الفرنسية، كان يسهل نسيان الحرب الكلامية التي حصلت قبل معارك "أجينكور" و"ترافالغار" و"واترلو"، لكن الطلاب الإنكليز الفرنكوفونيون تعرفوا بهذه الطريقة على إهانة فرنسية جديدة ومثيرة للاهتمام، ويستحق إيمانويل ماكرون بعض التقدير لهذا السبب على الأقل، لكن ماذا سيكون ردّ بوريس جونسون عليه؟