صرّح مسؤول بارز في الإدارة الأميركية قبل أيام لصحيفة "بوليتيكو": "نلاحظ أن بعض أعضاء الكونغرس يضغط لفرض عقوبات لن تنجح في ردع روسيا بل إنها تُهدد وحدة الصف عبر الأطلسي لتسجيل نقاط سياسية محلياً، تزامناً مع تعليق تمويل أساسي للأمن القومي لأسباب غير مرتبطة بهذا المجال، إنه موقف غير منطقي".

تتذمر الإدارة الأميركية عبر هذا الموقف من الجهود التي يقودها الجمهوريون لإعادة فرض العقوبات على مشروع خط الأنابيب الروسي "نورد ستريم 2"، إذ لا تريد إدارة بايدن فرض تلك العقوبات لأنها ستثير استياء ألمانيا، ولهذا السبب، انضم البيت الأبيض إلى جهود دبلوماسية ألمانية مضحكة لإلغاء العقوبات المحتملة.

Ad

يعكس هذا الموقف شكلاً مريعاً من سوء التقدير الاستراتيجي، لكنه يعبّر في الوقت نفسه عن أوهام بايدن الكبرى بشأن ردع روسيا وعقد التحالفات الأميركية في أوروبا، فقد كان تعليق المسؤول الأميركي في صحيفة "بوليتيكو" دليلاً على هذا التوجه، يقول هذا المسؤول إن العقوبات التي يريدها الجمهوريون "لن تنجح في ردع روسيا" بل إنها "تُهدد الأمن العابر للأطلسي"، وهذان الادعاءان غير صحيحين حتى أنهما يشوّهان الحقيقة مباشرةً.

سيؤدي قانون العقوبات الذي يريد الحزب الجمهوري فرضه إلى تعليق مشروع "نورد ستريم 2" قبل البدء بتشغيله أو بعده بفترة قصيرة، مما يعني أن مصادر الطاقة ستتابع التدفق عبر خطوط الأنابيب الراهنة التي تمرّ بشرق أوروبا ووسطها، ويمنح الدول الأعضاء في الجناح الشرقي لحلف الناتو القوة الكافية لضمان أمن قطاع الطاقة فيها، وفي المقابل، يمرّ خط "نورد ستريم 2" مباشرةً من روسيا تحت بحر البلطيق وصولاً إلى ألمانيا، وستؤدي العمليات المرتبطة بهذا المشروع إلى تراجع عبور مصادر الطاقة والرسوم المرتبطة بها عبر أوكرانيا.

لن يستفيد بوتين من مساعدة حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي الموالية للغرب، وسيسمح مشروع "نورد ستريم 2" للرئيس الروسي بقطع إمدادات الطاقة عن أوروبا الوسطى والشرقية تزامناً مع متابعة ضخ الغاز نحو ألمانيا، لا تتوقع إدارة بايدن حصول ذلك لأنها اتفقت مع ألمانيا حول أهمية الضغط على روسيا كي يستمر تدفق الطاقة عبر أوكرانيا، لكنّ ذلك الاتفاق غير قابل للتنفيذ ولا أهمية له للأسف.

لكن ماذا عن الادعاء المرتبط بتهديد وحدة الصف عبر الأطلسي بسبب عقوبات الحزب الجمهوري؟ لن يكون هذا الادعاء صحيحاً إلا إذا اعتبرنا هذه الوحدة مرادفة للرأي الألماني، وفي أوروبا، تبدو ألمانيا الداعمة الوحيدة لمشروع "نورد ستريم 2"، ولم تعد برلين جزءاً أساسياً من التحالف العابر للأطلسي بقدر ما تدّعي إدارة بايدن، وتتجه الحكومة الألمانية الجديدة إلى التخلي عن الحد الأدنى من الإنفاق الدفاعي في الناتو (2%) وسياسة الردع النووي التي يطبّقها الحلف من خلال تبرير حملات الترهيب الروسية.

تُعتبر وزيرة الخارجية الألمانية المقبلة، أنالينا بربوك، من المسؤولين القلائل الذين يعارضون العدائية الروسية والصينية، لكن من المتوقع أن تنجرّ وراء مواقف المستشار الألماني أولاف شولتز، وعلى غرار أنجيلا ميركل، يميل هذا الأخير إلى استرضاء روسيا والتركيز على المنافع التجارية التي تقدّمها الصين.

للأسف، لم تعد ألمانيا في عام 2021 حليفة مهمة للولايات المتحدة وحلف الناتو بل إنها أصبحت مشابهة للدول القريبة من روسيا، مثل النروج وبولندا والبلطيق، وقوى أخرى في أوروبا الغربية مثل فرنسا، حيث تستضيف ألمانيا قواعد عسكرية أميركية مهمة، لكن ما الذي يمنع نقلها إلى بولندا المجاورة؟ باختصار، يستحق حلفاء آخرون عبر الأطلسي الدعم الأميركي أكثر من ألمانيا التي لا تستحق إلا الازدراء، ومع أن بايدن يتكلم دوماً عن أهمية التحالفات والديموقراطية، لكنّ تحركاته في أوروبا تثبت بكل بساطة أنه يرضخ لألمانيا، دمية بوتين المفضلة.

● توم روغان - واشنطن إكزامنير