من مكارم أخلاق بعض العرب والمسلمين العالية والمعروفة عنهم، حين يخدعهم الشيطان ويجر أرجلهم الطاهرة ليجربوا حظهم في أحد كازينوهات القمار ولعب الميسر، أن يفرقوا في حال تحقيقهم للأرباح بين رأس المال الأصلي وبين الفوائد الحرام المحققة، فلا يخلطوا بينها، ولا يأكلوا منها أو يطعموا أهل بيتهم، ولكن من المعتاد والطبيعي جداً أن يشتروا بها الكماليات غير المأكولة، فيوفروا من أموالهم الحلال التي كانوا سيشترون بها تلك الأشياء أساساً، وكأن شيئاً لم يكن، وكل ذلك من باب التحليل والتحريم، بارك الله فيهم.

المفارقة تكمن أحياناً عندما لا يبالي رفيق المقامر الرابح بالفارق بين الرأسمال الأصلي والأرباح والحسنات والذنوب، طالما هو لم يدفع شيئاً، بل قد يشجع صديقه المقامر على اللعب بقوة، ويسحب من أرباحه ويصرفها ويستمتع بها، ويستأثر بها لنفسه، ثم لا يجد حرجاً في أن يعايره لاحقاً أو سابقاً بلعب القمار والانجرار وراء شهواته ومتعه، التي ربما استفاد هو منها أكثر منه.

Ad

من هذا المنطلق تستطيع أن تستوعب كيف فاز مرزوق الغانم بالرئاسة، رغم إعلان أغلبية النواب موقفهم ضده، وتستطيع بنفس الوقت أن تفهم بسهولة كيف عاد أهل إسطنبول، وبعدها استقبالهم من قبل الخصوم والمنافسين والكارهين ومعهم الرافضون أساساً لما سُمي بالحوار الوطني، والذي لولاه لما عادوا، فحسابات الداخل تختلف عن حساب الخارج، والمصلحة الذاتية فوق حلو الكلام ولذيذ الشعارات، فإذا استبدلت الأرقام بالكلمات اتضحت الصورة، فمن راهن على مربعات التشكيك والمبدأ والتخوين، وما إلى ذلك من كلمات تُنطق ولا تُرى، خسر رهاناته كلها طوال سنوات، ويزايد اليوم على من تجرأ واختار الحوار، وحقق الأرباح للجميع، وأعادهم لقواعدهم سالمين، وذات الحوار يكون عاراً وتنازلاً وذلاً برقبة من تحمل مسؤوليته، وانتصاراً وعزاً وفخراً لمن استفاد من نتائجه واستمتع به، لا تحليل ولا تحريم في كازينو الأخلاق الحميدة.

● فهد البسام