بين محطة وأخرى، باتت الخطوة تثقل شيئا فشيئا، والعزلة خيار ورغبة، يوما بعد آخر، والرحلة بدأت تقصر رغم صخبها وتقلبها واستمرارها! شعور يزداد وينمو أكثر من أي وقت مضى، لم تمنعه زخات مطر ناعمة في سكون ليل حزين، ولا أشعة شمس حارقة في نهار يوم طويل، فالأحاسيس الصادقة لا تخفيها تقلبات الطبيعة، ولا كلمات عابرة، لأن الخطوات الحزينة لا تكذب أبدا، فهي تروي يوميا تفاصيل المعاناة المستمرة منذ سنوات على مرأى ومسمع أحبة كثر، أو هكذا كنا نظنهم. نهاية الطريق المظلم حتمية، لكنها مجهولة العواقب، والحياة تدب في أرجاء المدينة لتكمل المسير دون ملل أو تعب، فالصرخات تتوالى فرحا هنا، ودموعا هناك، والاستغراب سيد الموقف، فلا أحد يسمع الآخر، بل لا يلتفتون لبعضهم حتى مع الألم والندم وأحيانا الاعتذار، وكأنهم ينفذون القول الإلهي: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه"، قبل أوانه!

ماذا يمكن أن تفعل وقد وضعت في موقف المتفرج حتى على نفسك؟ وكيف الخلاص من اللثام الذي يغطي فمك؟! فلن تستطيع أبدا الكلام أو التبرير وحتى الاستجداء أيضا، لأنها أصبحت محاولات بائسة لإعادة الحياة إلى جسد بلا قلب ينبض، ودم يتدفق بالحب والأمنيات، كما الآخرين! حين تشرق شمسك، وقبل فوات الأوان، لملم شتات أوراقك، أطبق على ذكرياتك دموع أهدابك، سابق الريح المهاجرة، انتظر أقرب غيمة ممطرة واسكن إليها، فربما كانت الأخيرة، وبعدها تعيد الخطوات إلى بداية لا نهاية لها، وهنا ستكون المحطات بلا روح!!

Ad

● محمد راشد