اتفق المتحدثان في ندوة الجمعية الاقتصادية الكويتية بعنوان "معوقات ومصاعب تطبيق الضريبة في الكويت" على عدم جواز فرض الضرائب في الكويت في الفترة الحالية على الاقل.

وتطرقا خلال الندوة إلى أهم الصعوبات التي تمنع تطبيق الضريبة في الكويت، والتحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه فرضها ، مقرين بأن هناك سوء إدارة حكومية للملف الاقتصادي، وضرورة البدء في الاصلاحات الاقتصادية الأكثر أهمية من الضرائب، وفيما يلي التفاصيل.

Ad

بداية، قال الخبير الاقتصادي علي البدر إن الضريبة هي أصعب وأخطر قرار تتخذه الحكومات في دول ديموقراطية، معتبراً أن الضريبة لا تصلح لاقتصاد الكويت بالوضع الحالي، مبيناً أن محصلة تلك الضريبة، بحسب ما ذكرته وزارة المالية، قد تصل إلى 4 مليارات، بمعدل مليار في السنة، بما يتجاوز 5 في المئة من مصروفات الميزانية، وإن ارتفع سعر النفط 5 في المئة فقط فلن نحتاج إلى ضرائب.

وأضاف البدر أن الضرائب تصلح في الكويت عندما يكون الاقتصاد منتجاً نامياً ويحقق أرباحا، وبالتالي يكون هناك دخل يغطي تكاليف الجهاز الضريبي، الذي يجب أن تكون إدارته إدارة المؤسسات وإدارة تجارية تهدف إلى الربح، مشيراً إلى أن ذلك سيتحقق عندما تكون الكويت دولة ديموقراطية دستورية تؤمن بالاقتصاد الحر مع تقليل الحكومة سيطرتها وملكيتها للأنشطة الاقتصادية.

وأكد أن الاقتصاد الكويتي غير صالح للضريبة، لأنه عبارة عن تملك وإدارة الدولة لأكثر من 70 في المئة من النشاط الاقتصادي، أي أنها بيئة غير تنموية للضرائب، "وبما أن الشركات النفطية والحكومية لن يفرض عليها ضريبة فمن أين يأتي المال؟"، مضيفاً أن تكاليف إدارة الضرائب في الكويت ستكون مهولة، "لأن الضريبة قرار صعب سياسيا، والشعب الكويتي 80 في المئة منه يعتمد على الراتب الحكومي، ودائما يريد أكثر فكيف تفرض الحكومة عليه ضريبة؟".

خصخصة التعليم

وتطرق البدر إلى أهمية الخصخصة وقال إن وزارة التربية تكلف الدولة أكثر من مليوني دينار سنويا، إذ إن تكلفة الطالب في المدارس الحكومية تقارب نظيرتها في المدارس الخاص إن لم تكن أكثر، مبيناً أن الحل الأمثل هو خصخصة القطاع التعليمي وأخذ 25 في المئة من ربح الشركة كإيجار، وبعد سنوات يتم الاكتتاب بشركات التعليم حتى يصبح له مستقبلا، وعلى الحكومة ألا تطرح هذا المشروع كمشاريع شراكة حتى تكون الشركات التعليمية قابلة للنمو.

ولفت إلى ضرورة وجود منافسة في جميع الخدمات، لأن التعليم نشاط خدمي يبيع الخدمة للإنسان ويجب أن تكون هناك منافسة، وإلا فلن يكون هناك تقدم ولا حضارة، معتبراً أن سبب تردي مستوى التعليم هو سيطرة الحكومة على التعليم، ولذا "يجب أن نقوم بما قامت به الدول المتقدمة والمحترمة".

دراسة الحكومة

وفيما يتعلق بدراسة خاصة للضرائب، تساءل إن كانت الحكومة أعدت دراسة اقتصادية بهذا الصدد، "بمعنى من الممول وكم الدخل الذي سيفرض عليه الضريبة، سيكون مطلوباً محاسبون ومدققون وقانونيون، فهل تمت دراسة الموضوع بكل جوانبه حتى يستفيدوا من هذه العملية في المستقبل".

وقال إن الكويت مثل باقي دول الخليج تعتمد على النفط – وهو ثروة معدنية ناضبة - ويوما ما سينتهي، لذلك يجب أن يكون الاقتصاد منتجاً حتى لا نعلق مستقبل الأجيال على برميل النفط، ويجب أن نحرص ألا يكون مستقبل الأجيال مدينة الأشباح.

هل هي أولوية؟

من جانبه، قال رئيس قسم الاقتصاد في جريدة "الجريدة" محمد البغلي إن الضريبة بشكل عام هي أفضل أدوات تمويل الميزانية، فالميزانية الجيدة لا تكون مرتبطة بمورد ناضب مثل النفط، إنما بتمويل الأشطة الضريبية الناتجة عن نشاط اقتصادي عام في الدولة.

وأضاف البغلي أن أول الأسئلة عند التفكير بفرض الضريبة في الكويت وبأي شكل - مضافة أو انتقائية أو ضريبة الدخل أو ضريبة الأعمال - هو هل تطبيق الضريبة في الكويت من الناحية المالية هو الأولوية؟ أم أن لدينا بدائل عديدة وحلولاً كثيرة يجب أن تستخدم قبل الوصول إلى تطبيق الضريبة؟

ورأى أن هناك أولويات وربما شروطا، أولها أن يكون لدينا حصافة في إدارة مصروفات الميزانية - التي تشهد نموا سنويا لا يتوقف منذ حوالي 20 سنة، ففي سنة 2000 كانت 3.1 مليارات دينار، واليوم أصبحت 23 ملياراً، المشكلة هنا أن الخدمات التي كانت الدولة توفرها في ذلك الوقت بكفاءة (كالسكن - التعليم - الصحة) باتت غير متاحة أو غير كفؤة، فبالتالي هذا النمو المتعاظم في المصروفات يجب أن يتوقف لكن كيف يمكن أن يتوقف اذا كانت الحكومة التي تضع حدا للمصروفات هي التي تكسره في أول مناسبة، ناهيك عن الأسلوب الجديد المتعلق بقرارات مجلس الوزراء بخفض المصروفات 10 في المئة بعد شهر واحد فقط من تمريرها بـ 23 مليار دينار، مع أن الجدية تتطلب اقرار ميزانية تقشفية تراعي الصدمة المزدوجة للاقتصاد الكويتي من تداعيات كورونا وانخفاض أسعار النفط.

التحديات الفنية

وذهب البغلي إلى أن التحديات الفنية التي تواجه تطبيق الضريبة في الكويت تتجاوز الأفكار العامة المتعلقة بضرورة وجود تمثيل عال للمجتمع في سدة اتخاذ القرار مقابل اقرار الضريبة أو ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، أو الاعتراض على تفشي الفساد الذي ارتفعت وتيرته خلال السنوات الماضية، فهذه التحديات الفنية إذا لم تتم معالجتها بشكل موضوعي فإن الضريبة ستتحول إلى نقمة على الكويت، بدلاً من أن تكون منفعة لاقتصادها أو ماليتها العامة.

وأشار إلى ان ابرز التحديات الفنية تتمثل في أزمة المالية العامة، وهي ليست في جانب شح الإيرادات بقدر ما هي أزمة مصروفات متضخمة ومنحرفة وبالتالي فإن أثر الإيرادات الضريبية إن نفعت سنة فلن تنفع في السنوات الأخرى، لأن النمو المتواصل وغير الحصيف للمصروفات سيعدم فائدتها للدولة.

وأضاف: "المشكلة لدينا تتمثل في أن مؤسسات الدولة غير مهيأة بتاتا لتطبيق الضريبة، ليس فقط فيما يتعلق بالقدرة على تحقيق الامتثال الضريبي والخبرة المتراكمة في وزارة المالية التي تمنع التهرب الضريبي، فهذه يتم معالجتها مع الممارسة ومع التكنولوجيا".

وعن معوقات ادارة الضريبة بشكل سليم، قال ان دولة الكويت، ممثلة في الإدارة المركزية للإحصاء من شهر أبريل 2021 إلى نوفمبر 2021، امتنعت عن إصدار مؤشر أسعار المستهلكين الخاص بالتضخم، خلال 6 أشهر لم تعلن الإدارة عن أسباب عدم الإصدار في وقت يتحدث العالم عن صعود التضخم وأزمة سلاسل الإمداد وتصاعد أسعار المنتجين، متسائلاً: كيف يجوز ذلك للإدارة المفترض فيها أنها تقدم لمتخذي القرار في السلطة التنفيذية كل البيانات الدقيقة والسريعة عن نتائج التضخم؟

وعقَّب بأنه قبل الحديث عن المواطن والتاجر والدولة، فعلينا النظر إلى مؤسسات الدولة التي لا تستطيع القيام بعملها بشكل شفاف وواضح لتقديم المعلومات لاتخاذ القرار، وبالتالي سيتأثر هؤلاء جميعا، لافتاً إلى أن العملية بحاجة لبيانات واضحة حتى تكون هناك سياسات حاضرة وسريعة لتطويق هذا التضخم.

وأكد البغلي أن المواطن يدفع كلفة فشل السياسات الخدمية كالإسكان والتعليم السيئ وتراجع الخدمات الصحية بشكل أشبه بالضريبة غير المباشرة.

حصة المطيري