"توزير النواب تجربة أثبتت فشلها"، كانت افتتاحية "الجريدة" أمس الأول، وهذا صحيح، فالنواب الوزراء بحكم طبيعة التركيبة السياسية الاجتماعية في الدولة، وهي طبعاً من نتائج النهج السياسي للسلطة، سيردون الشكر للناخبين الذين أوصلوهم لمقامهم في المجلس ثم الوزارة، وسيكرسون الواسطة والمحسوبيات للفئات التي خدمتهم في صناديق الانتخابات، رد الجميل واجب أخلاقي كبير في دولة "مشيني وامشيك" العشائرية، فأين الجديد في هذا متى عرفنا أن السلطة الحاكمة، عبر سنوات طويلة ومنذ لحظة ولادة هذه الديموقراطية الكسيحة بدستور ٦٢، كانت تكرس وتفضل نائب الخدمات، وتدفع نقداً وخدمة كي يصل إلى كرسيه، في مقابل محاربة المرشحين المنادين بدولة القانون، وهم من أصحاب المبادئ المعارضين لها.

لكن ليس هذا كلاماً صحيحاً بصفة مطلقة، فليس الوزير النائب فقط من يرد الجميل لناخبيه عبر الواسطة والمحسوبية، بل حتى الكثير من الوزراء العاديين والـ "ديلوكس" (أبناء الأسرة) يرضخون لوساطات النواب (ربع السلطة أو الذين تعمل حسابهم) تحسباً من سؤال أو استجواب نيابي، وبطبيعة الحال فمعظم الوزراء وبسبب طريقة اختيارهم يتحسسون البطحة التي على رؤوسهم في أداء العمل الوزاري عندما يكون هناك فساد أو شبهة فساد واستغلال نفوذ في وزاراتهم، عندها الأفضل إذاً أن يتم تسكيت هذا أو ذاك النائب المستجوب عبر الخدمة التي يطلبها.

Ad

هل انتهينا؟ لا... من قال إن النائب الوزير فقط من يتوسط ويضر بالمصلحة العامة؟ هل نسينا حقيقة "ما في البلد غير هذا الولد"؟ بمعنى أننا قد نتقبل أحياناً ونتجرع على مضض تمشية معاملة علاج بالخارج في غير محلها من نائب وزير أو من وزير يعشق خدمة الناس وينسى غد الدولة، لكن ماذا عن البعض من المؤلفة قلوبهم الذين لا تستغني عنهم السلطة وتنقلهم من وزارة إلى وزارة، ومن مكان عال إلى أعلى منه؟! مهمتهم الكبرى التغطية والتمويه لمسائل استغلال نفوذ وفساد سياسي، وإذا خرجوا من الوزارة يتربعون على أفئدة أصحاب السلطة دون منافس، فيتم تعيينهم كمستشارين أو في مراكز نفوذ يسيّرون من خلف الستار ما يريدونه وحسبما تقتضي "المصلحة العامة"، كما يفهمها أهل السلطة.

في النهاية، القضية ليست محصورة بالنواب الوزراء، وإنما هي قضية غياب إرادة إصلاح جدية تقلب حال البلد كلياً، والاكتفاء بحلول ترقيعية لثوب بال غير قابل للترقيع.

● حسن العيسى